يقول الرئيس الفنلندي السابق، مارتيياتيساري، الحائز على جائزة نوبل للسلام، إن بلاده قد صنفت باعتبارها " أقل الدول إخفاقاً " ويبادر ليضيف إن هذا يعني أن لدينا شيئاً من الإخفاق ينبغي أن نعالجه.. بهذه الروح ينظر الفنلنديون إلى بلادهم التي انتشلت نفسها من بين وديان الهزيمة والاحتلال والإفلاس عدة مرات في القرن العشرين لتصبح اليوم دولة رائدة في العلم والتقنية والخدمات الاجتماعية.. لا يحب الفنلنديون أن يستخدموا أفعل التفضيل ليصفوا بلادهم ويكتفون بالإقرار بشيء من الخجل وكثير من التواضع أن بلادهم لديها أحد أفضل أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية في العالم، وأن طلابهم يأتون في الطليعة في نتائج الامتحانات الدولية في العلوم والرياضيات، وأن الغالبية العظمى من شعبهم يتقنون لغتين أجنبيتين على الأقل بالإضافة إلى لغتهم الوطنية، وأن 80% من النساء لديهم منخرطات في العمل الاقتصادي خارج المنزل، وأن 80% من شبابهم يقبلون بحماس على أداء الخدمة العسكرية الإلزامية ويعتبرونها شرفاً وشهادة عبور نحو الرجولة، لا فرق في ذلك بين غني وفقير، بل إنهم يرونها وسيلة أساسية لترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية، وأن من لا يقدم على الخدمة العسكرية لأسباب تعفيه منها يؤدي بدلاً عنها خدمة اجتماعية، وأن أرقام البطالة والنمو الاقتصادي والتضخم عندهم هي من أفضل الأرقام في أوروبا بالرغم من الأزمة المالية والاقتصادية العنيفة التي تجتاح القارة. في حديث مع رئيس الوزراء الفنلندي الأسبق اسكوآهو، الذي يشغل الآن منصباً رفيعاً في شركة نوكيا، سئل الرئيس عن أسباب هذا النجاح الذي تحققه فنلندا بالرغم من أنها لا تملك شيئاً من الموارد الطبيعية باستثناء ما حباها الله به من غابات وأنهار وبحيرات، قال الرئيس إنه يعزو الأمر إلى سببين، الأول هو الحرص على الإتقان، فالفنلندي لا يرضى بمبدأ " مشي حالك " ولا يقبل إلا أن تكون منتجات بلاده في طليعة مثيلاتها في العالم، والسبب الثاني هو كفاءة النظام التعليمي الذي يعتبره الركيزة الأساسية للنهضة الصناعية والتقنية في بلاده.. ويضيف الرئيس إن النظام التعليمي في فنلندا يجتذب إليه في المرحلة الجامعية بعضاً من أفضل الطلاب في العالم مما يخلق قدراً عالياً من التنافسية بين الطلاب ويشكل مصدراً هاماً للكفاءات العلمية التي تستعين بها الصناعات الفنلندية في مصانعها ومعاملها. في مطلع التسعينات من القرن الماضي أشرفت فنلندا على الإفلاس بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل شريكاً تجارياً هاماً لها، ووصل حجم الدين العام إلى مستويات فلكية، واستجابت فنلندا بحزمة من إجراءات التقشف المالي والانفتاح الاقتصادي ورفع مستوى التنافسية.. وفي خضم تحديات الديون والإفلاس قررت فنلندا أن ترفع مخصصات الإنفاق الحكومي في البحث والتطوير بنسبة مائة في المائة!! اطلبوا العلم.. ولو في فنلندا!! [email protected] [email protected]