في الأربعينات من القرن الماضي انتهت الحرب العالمية الثانية واستتب النظام الديمقراطي في ألمانيا وكوريا، وفي الفترة ذاتها استقلت الهند وانتهجت نظاماً سياسياً ديمقراطياً ثم بدأت دول كثيرة في آسيا وافريقيا في الاستقلال في الخمسينات والستينات إلا أن قليلاً منها انتهج الديمقراطية وفضل كثيرون فلسفة الحزب الواحد أو الحزب القائد وبدأت موضة الرئاسة مدى الحياة التي دشنها في الوطن العربي الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بو رقيبة، في الثمانينات الميلادية شهدنا انهيار الأنظمة العسكرية في اليونان واسبانيا والبرتغال وفي 1989م سقط سور برلين وتهاوت معه الأنظمة الاشتراكية في وسط أوروبا وشرقها وتحولت دولها إلى النظام الديمقراطي، وفي الفترة نفسها شهدنا انطلاقة الديمقراطية في جنوب شرق آسيا كما عاصرنا إفلاس النظم العسكرية في أمريكا اللاتينية وتحول الدول الكبرى فيها مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي إلى ديمقراطيات حديثة، وحتى في إفريقيا فلقد شكلت جنوب افريقيا الحديثة قطباً ديمقراطياً هاماً ساعد على انتشار هذا النموذج في عدد من البلدان الافريقية، وبالرغم مما واكب هذه المسيرة من تشوهات أوانتكاسات إلا أن التزام إفريقيا بالديمقراطية قد بلغ الآن إلى الحد الذي ترفض فيه دولها ويرفض الاتحاد الافريقي الاعتراف بأي نظام يأتي عن طريق الانقلاب العسكري على السلطة المنتخبة كما حدث في حالة موريتانيا مثلاً. وحده هو العالم العربي الذي ظل محصناً ضد الديمقراطية، ومع أن كثيراً من الدول العربية قد استخدمت الديكور الديمقراطي الا أن الممارسة فيها قد ظلت بعيدة عن روح الديمقراطية المتمثلة في اطلاق الحريات العامة والتداول السلمي للسلطة. للتواصل: [email protected] فاكس: 6901502/02 بل إن الجرأة قد بلغت ببعض الأنظمة الجمهورية أن تمارس التوريث السياسي وأن تعدل دستورها في مسرحية تراجيكوميدية ليتمكن الابن الشاب من الارتقاء الى سدة الرئاسة. لو أن هذه الأنظمة تمكنت من أن تحقق لشعوبها انتصارات مؤزرة أو أمجاداً خالدة أو رفاهية ورغد عيش لربما شفع لهم ذلك في غياب الحرية ولربما انشغلت شعوبهم في تحقيق الرفاه الاقتصادي كما هو الحال في سنغافورة وهونج كونج وغيرهما، ولو أن قادة تلك الأنظمة كانوا أبطال الاستقلال أو قادة الجهاد لربما فسر ذلك أن تحتفظ لهم شعوبهم بمكانتهم التاريخية، ولكن كثيراً من هؤلاء أتوا من غياهب النسيان ودخلوا قصور الرئاسة على ظهور الدبابات ثم مارسوا سياسات الاقصاء والتهميش وتصفية الخصوم حتى اذا حان وقت الصبغة الديمقراطية نظموا استفتاءات وانتخابات يفوزون فيها بنسبة 100% كما صنع أحدهم وبنسبة 90% كما صنع المتواضعون منهم. أفبعد هذا يستغرب أن يصل المد الديمقراطي إلى الوطن العربي؟ ثم انظروا كيف أن هذا التيار قد بدأ في تونس ثم امتد إلى مصر وهما بلدان من أرقى البلدان العربية من حيث الوعي السياسي والتنظيم المدني والتجربة التاريخية، وهذه الملاحظة تفسر لنا أيضاً صعوبة الحال في بلد مثل ليبيا الذي يخشى عليه من أن تتحول الثورة فيه إلى صراع قبلي بحكم تكوينته الاجتماعية. ويبقى لنا أيضاً أن نلاحظ أن الأنظمة الملكية في الوطن العربي قد أثبتت في مجملها أنها أكثر استقراراً من غيرها لسبب بسيط وهو أن الأسر الحاكمة تتمتع بشرعية تاريخية تم ارساؤها على مدى عشرات بل مئات السنين، وهي تحظى في غالبيتها بقدر رفيع من التوافق الاجتماعي والقبول العام حتى أنه أصبح ينظر إليها باعتبارها حكماً بين التيارات المتنافسة، كما حافظت هذه الأسر لنفسها بمرتبة فوق مستوى تلك التيارات.