السائل (عبدالمجيد - الرياض) لماذا خصَّ الله الرجل باللّعنة، والمرأة بالغضب في آية الملاعنة في سورة النور؟ الفتوى 56: إذا رمى الرَّجل زوجته بالزّنا، وليس له شاهد سوى نفسه يحلف بالله أربعًا على صدقه، ثم يقول: لعنة الله عليّ إن كنتُ من الكاذبين، فإن أنكرتِ المرأةُ حلفت أربعًا على كذبه عليها، ثم تقول: غضبُ الله عليّ إن كان من الصادقين. هذا مجمل آيات اللّعان التي أشرتُ إليها، وفي بعض كتب التفسير، كتفسير البقاعي والآلوسي إشارة خاطفةٌ إلى وجه التفريق بينهما، حاصلهُ: أن الغضب أبلغ من اللعن، وغُلِّظ عليها لتعترف بالحق، ولأنها مادة الفساد، وهاتكة الحجاب، وخالطة الأنساب. وبيان ذلك: أن اللّعن طردٌ، والغضب إسقاط بالكلِّية، قال سبحانه: (وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) [ النساء: 52]، وفرق بين من تطرده من نعمتك، ومن تخرجه منها وتحلّ به عقابك، وقد جاء في القرآن اللّعن وحده، ومقرونًا بالغضب أو غيره، وجاء الغضب وحده، ومقرونًا باللّعن وغيره، وإذا قرن اللّعن بالغضب، فإمّا أن يتقدم أو يتأخر كقوله تعالى في سورة النساء: (فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) قدَّم الأثقل فما دونه، وفي سورة المائدة: (مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) ذكر الغضب بعد اللّعن، ثم ذكر عاقبة الغضب وهي عقوبة عاجلة ظاهرة. ويأتي اللّعن في القرآن مقرونًا بالكذب والظلم، كقوله تعالى: (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِين) [هود: 18]، وقوله: (فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِين) [آل عمران: 61]. وبعض المصنفين والواعظين يظن أن في القرآن (ألا لعنة الله على الكاذبين)، وقد صدّر بها صاحب (الكبائر) الذهبي أو غيره باب كبيرة الكذب؛ سهوًا، أو وَهْمًا، ولم يأتِ في القرآن هذا اللفظ. والمقصود: أن الظلم والكذب يستحقان اللّعن، والزوج إن كان كاذبًا فقد كذب وظلم. وأمّا هي فإنها إن صدق فيما رماها به، فقد فعلت فاحشة الزنا، وكَذبَت، وكُذِّبت، وكانت السّبب في الفضيحة وإشاعة الفاحشة في مجتمع الإيمان، وقد رُوعي معنى التكذيب الذي هو أكبر جُرمًا من الكذب في هذا المقام، ولهذا لم يقل: (أنّ غضب الله عليها إن كانت من الكاذبين)، ولعله لو قال ذلك لناسب اقترانه باللّعن لا بالغضب، ولكنه قال: (إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِين) [النور: 9] فهي مكذِّبة، ومن كذَّب الصادق الذي يُعلم صِدقُه فقد كَذَب وكُذّبْ .. وتبارك الذي نزل الفرقان، ما أعظم كلامه وما أجلّه.