التأمل في نعم الله عز وجل على الفرد واجب محتوم، وهو جزء من كمال الإيمان، لكن فاعليه قليل اليوم في ظل الوقع السريع للحياة المعاصرة. يقول الكاتب الإنجليزي (1874–1936م): (بإمكاني أن أؤكد أن الشكر هو أعلى درجات التفكير، وأن الامتنان هو سعادة تفيض بالدهشة). وكثير منّا يقنع نفسه أنه شكور يؤدي حق النعم التي لا تُعد ولا تُحصى! لكن السؤال: متى كانت آخر مرة راجعت فيها كشف حساب صادق متجرد للنعم التي وُهبتها، والأفضال التي بلغتها، وأيها حاولت ردها أو رد بعض منها، ولست بقادر على أي حال. والله المنعم المتفضل لا يريد جزاء من نفس المنح والأعطيات التي تفضل بها عليك، لكن يريد منك أن تردها شعوراً فائضاً بالشكر والامتنان، وقلباً عامراً بحبه والأنس به، ولا بأس من اقتران هذا الحب والأنس بمزيد من الإلحاح على المزيد، فخزائنه لا تنفد، وعطاياه لا تتضاءل، وخيره لا ينقطع. وشكر الناس كذلك والامتنان لما قدموه لك.. هو فصل آخر من فصول السعادة، وسفر من أسفار التفكير الرفيع. العقلاء والحكماء والصادقون هم الذين يبحثون عن السعادة في مصادرها الحقيقية، يريدونها خارطة طريق دائمة نحو السعادة بمعناها الواسع وأثرها الدائم. ولا تخلو بالطبع أبدا قائمة المستحقين لهذه المشاعر الفياضة الصادقة بدءا بالوالدين والأقربين مرورا بالأصدقاء الطيبين المحبين الذين لم يبخلوا بقضاء حاجة ماسة، أو وقفة صادقة، وانتهاء بالغرباء الذين أحسنوا إليك دون أن يعرفوك، ولو باستقبال حسن أو كلمة طيبة أو ابتسامة صادقة. ولذا يُنصح بمشية الشكر والامتنان.. مشية تختلف عن غيرها المخصصة لرياضة أو استجمام أو مشوار. لا بد أن تكون خطوات محسوبة لغاية نبيل ومعنى كريم وهدف سامق محصلتها استشعار الفضل لأهل الفضل، وبذل الامتنان خفية لمن يستحقه، والخالق المعطي أول الجديرين بهذه المشاعر الصادقة، فهو في البداية والنهاية من يسّر وقدّر وأعطى وأجزل. والنبي عليه الصلاة والسلام لا يُنسى فضله أبدا. وأما الآخرون من بني البشر، فيكفيهم التوجيه النبوي الكريم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله). [email protected]