صباح الاثنين الماضي سعدت بصحبة عدد من الإخوة الكرام (يتقدمهم الزميل الدكتور حسين الشريف مدير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة مكةالمكرمة، وزميله عضو الجمعية الدكتور عمر حافظ) في جولة استطلاعية لرصد حالة المتضررين من فاجعة جدة، وكانت الجولة تحديدًا في حي كيلو 14، وحي قويزة. أولاً لا بد من شكر الجمعية على الروح التي يتمتع بها أعضاؤها، فهم عاشقون لعملهم، مغرمون بأداء واجبهم تجاه الإنسان أيًّا كان، تسعدهم ابتسامته وتؤلمهم معاناته.. شعارهم (نوصل صوت المواطن إلى مسامع المسؤول). في الجولة رأيتُ وسمعتُ، وفي الجولة أدركتُ أن مشاهدة الواقع «غير» عن مشاهدة (اليوتيوب) و«غير» عن مطالعة الصحف وما تعرضه (العربية)، أو (الإخبارية)، أو (الجزيرة). وأمّا الاستماع لمشاعر الناس مباشرة، فقضية أخرى مختلفة تمامًا، أن تسمع دون رتوش، ولا مقدمات شيء (غير)، وأن تنقل كذلك دون رقيب إلاّ من نفسك، ودون (محاذير) إلاّ من ضميرك، فذلك شيء أكثر من (غير). الاستماع إلى المشاعر (وهي طليقة حرة صادقة في مواقف صعبة مؤلمة) تجربة خاصة مؤثرة في النفس والوجدان والضمير. أمّا المهمة الأصعب فنقلها عبر السطور موجزة، معبرة، وصادقة في الوقت نفسه. وقبل البدء في تسطير هذه الخواطر، وفي مساء اليوم نفسه صدر أمر خادم الحرمين الشريفين بتعويض ذوي الغرقى مليون ريال عن كل (شهيد)، وبتشكيل لجنة عليا برئاسة سمو أمير المنطقة، وعضوية عدد من كبار المسؤولين ذوي العلاقة من أهمهم معالي رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، وبصلاحيات واسعة تهدف إلى تقرير (الحقيقة)، ولا شيء غير (الحقيقة)، وما تعنيه من تحديد للمسؤوليات والمسؤولين عمّا حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟ هذا الأمر الملكي الكريم غيّر بالنسبة لي مضمون ما وددت التعبير عنه، لأني أحسب أنه (غير). وفي الوقت نفسه، فلا أشك أنه غيّر كذلك كثيرًا من مشاعر المتضررين وآرائهم، إذ أضفى عليها ثوبًا واسعًا من الإيجابية والامتنان، فهم ليسوا (منسيين)، بل هم في بؤرة الاهتمام كما هم الآن (يعلمون). وفي الأسبوع المقبل أتناول ملامح من بعض ما رأيتُ وسمعتُ!! [email protected]