منبر القرآن ينير القلوب هاني بن عبدالله الجبير (امتن الله تعالى على عباده بانزال كتابه العظيم الذي هو آخر الكتب وهو المهيمن عليها كلها ونسخ الله تعالى به شرائع من قبلنا وأوجب على جميع الثقلين العمل به والقيام بحقوقه قال تعالى : (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل ل عوجاً قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً حسنا). أخبر سبحانه ان هذا القران هو سبب للثبات على الحق والهدى كما قال تعالى (وقال الذين كفروا لولا نُزل عليه هذا القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) وأخبر انه يهدي للطريق الأقوم (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم). وعلمنا سبحانه ان من أعرض عن القرآن عاش حياة ضيقة سيئة واذا مات حُشر يوم القيامة أعمى (ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى). ان من يتأمل حال المسلمين في زمننا هذا يجد أن الاعراض عن كتاب الله تعالى والانصراف عن تلاوته وتدبره والعمل بما فيه صار هو الحال الأغلب عليهم حتى صرنا نرى القرآن الكريم مهجورا وقد هجر العمل به، وهجر تدبره، وهجر التحاكم اليه وهجر الاستشفاء والتداوي به. قال تعالى : (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها). ان هذا القران ينشيء في القلب حياة بعد الموت ويطلق فيه نوراً بعد الظلمات. إنه يوجد في النفس حياة يعيد بها الإنسان تذوق كل شيء، ويصور كل شيء، وتقدير كل شيء بحس آخر لم يكن لديه قبل هذه الحياة القرآنية، وقبل هذا النور من الوحي الذي خالط النفس وأنار القلب والعقل. إنه ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن، وجمع الفكر على معاني آياته وامعان النظر فيها والتفكر في دلالته فإنها تطلع العبد على معاني الخير والشر وعلى حال أهلها والله تعالى لم ينزل القرآن لمجرد تلاوته بقلب غافل، بل لتدبّره وتعقله كما قال تعالى : (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبّروا آياته وليتذكر أولو الألباب). (أفلا يتدربون القرآن أم على قلوب أقفالها). وعن النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يؤتي يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجّان عن صاحبهما رواه مسلم في صحيحه. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يقال لقارىء القرآن يوم القيامة اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. وعن عبدالله بن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) أخرجه الترمذي. فتأمل يارعاك الله ماذا يعيش في هذا البيت الخراب انها الأوساخ والشياطين والهوام. بل إن القرآن كان يصل إلى قلوب الكافرين وهم ابعد خلق الله عن الله وعن كتاب الله فإن جعفر بن ابي طالب رضى الله عنه قرأ سورة مريم على النجاشي وقومه ففاضت أعينهم من الدمع كما قال تعالى : (واذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) ولا عجب في ذلك فهو كلام رب البشر الذي أحيا القلوب والأفئدة، بل أدهش الجنّ وحرَّك ألبابهم لما سمعوه من المصطفى صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (قل أوحي إليَّ انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآناً عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا آحدا). يقول تعالى : (الله نَزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله). لقد كان خوف نبينا صلى الله عليه وسلم عند قراءة القرآن لا يوصف، فقد صح عنه انه كان يصلي وفي صدر أزيز كأزيز الرجل من البكاء. وثبت في سنن الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (شيبني هود وأخواتها) وفي لفظ : (شيبني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون واذا الشمس كورت). وقد قرأ عليه عبدالله بن مسعود رضى الله عنه سورة النساء فلما بلغ قوله : (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال له : حسبك قال عبدالله فنظرت اليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه. وكذلك كان صحابة نبينا عليه الصلاة والسلام فتميم الداري رضى الله عنه صلى ليلة في المسجد الحرام حتى أصبح وهو يردد آية ويبكي، لقد كان يردد قوله تعالى (أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات). قال الحسن بن علي رضى الله عنهما : إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقهونها في النهار. مستمعي الافاضل: قد أعطى الله تعالى أعظم المنازل لتالي كتابه فقال سبحانه : (ان الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله انه غفور شكور). بل قد اصطفاهم الله تعالى لنفسه فجعلهم اهله وخاصته كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم :(ان لله اهلين من الناس قيل من هم يا رسول الله قال : اهل القرآن هم أهل الله وخاصته. رواه ابن ماجه واحمد بسند صحيح. وهذا كله يدفعنا لتصحيح مسارنا مع كتاب ربنا والعناية به تلاوة وتدبراً وتفهماً وعملاً فكتاب الله تعالى بيننا يتلى ويقرأ ومع هذا قلت العيون التي تدمع، والقلوب التي تخشع والجوارح التي تعمل وتنفذ. لقد كان ديدن الصحابة رضى الله عنهم ان لا يجوزوا عشر آيات من كتاب الله تعالى حتى يعلموا ما فيها ويعملوا بها فهل نسلك سبيلهم.