انفرد القضاء المصري بدور خاص في أحداث الثورة المصرية، إذ استبقها، بأحكام لاحقت الفساد، وقضت ببطلان قوانين وتشريعات، بعضها يسبغ المشروعية على الفساد، وسوء استخدام السلطة، وبعضها يقيّد الحريات، لكن دوره بعد 25 يناير وضعه في صدارة المشهد، حين ارتأت الثورة أن تحتكم إلى القانون والدستور في متابعة وملاحقة مَن أفسدوا الحياة السياسية، أو قتلوا المتظاهرين، وهو ما شاهده العالم في محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، ونجليه، ووزير داخليته، ومساعديه، وأخيرًا بالأمس فقط إحالة رئيس مباحث أمن الدولة الأسبق إلى محكمة الجنايات بتهمة إتلاف وثائق ومستندات عمدًا، عقب قيام الثورة. أمس فقط بدا أن جزءًا من الثورة المصرية قد عهد به إلى القضاء، حيث نظرت المحاكم عدة دعاوى قضائية إحداها تطالب بحل الجمعية التأسيسية للدستور، والأخرى بشأن حكم المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان، والثالثة بشأن قرار وزير العدل المصري بمنح عناصر الشرطة العسكرية سلطة الضبطية القضائية للمدنيين، وهو ما قضت المحكمة بوقفه. باختصار كان أمس هو ثلاثاء استكمال الثورة المصرية في ساحات القضاء، وكان عنوانا لتمسك المصريين بشعار رفعوه في الخامس والعشرين من يناير هو "سلمية.. سلمية" أي أن الثورة سلمية تسعى للتغيير عبر أدوات ووسائل حضارية، لا تريق الدماء، ولا تعلق أعواد المشانق لخصومها، ولا تزج بهم في غياهب السجون دون محاكمة شفافة وعلنية، وبموجب القانون العادي، دون اللجوء إلى القضاء الاستثنائي. ما يحدث في مسار الثوة المصرية، ينبغي أن يكون ملهمًا للشعب السوري الشقيق، ولكافة شعوب دول الربيع العربي، فما يفعله المصريون بثورتهم يعني أن التغيير ممكن سلميًّا، وعبر أدوات ومؤسسات الدولة التي ينبغي الحفاظ عليها، وتجنب تقويضها بكل الوسائل. بفوز د. محمد مرسي برئاسة مصر، تدخل البلاد المرحلة الانتقالية الثانية، التي يتعيّن فيها إنجاز دستور يليق بقيم الثورة، وبالشعب الذي ثار، وانتخاب برلمان يمثل الجيل الذي صبر، والجيل الذي عمل من أجل التغيير، والبدء في عملية إصلاح اقتصادي واسع، يتيح إجراء إصلاحات اجتماعية، ويجنب البلاد أزمات اقتصادية تحدق بها، بعدما خسر الاحتياطي النقدي لمصر قرابة 50%؛ ممّا كان عليه قبل 25 يناير.