لم يكن شابًا، وإن اختلفت مقاييس تحديد هذه المرحلة؛ فالعمر والحيوية ليسا متلازمين بالضرورة، لكنه ومنذ التحاقها بالبرنامج الدراسي، لا تدري لماذا يكونان متجاورين دائمًا.. هل هي الصدفة وحدها؟ علمًا أنه لا ترتيب مسبق لمقاعد قاعة المحاضرات، أم أن شعورًا ينتابها بأن حيّزًا من اهتمامها بدا يشغله، هذا الزميل. صحيح أنه حاضر الذهن، وصاحب بديهة واطلاع وقدرة على مداخلات متنوعة جعلت منه مثار إعجاب للجميع، لكنها وضعت لنفسها سؤالاً محدّدًا هل ما تشعر به يتعدّى ذلك ليزدد شعورها أنها مشدود أكثر إلى المحاضرات المشتركة التي تجمعهما معًا.. ويمضي الفصل الأول، وفي عطلة ما بين الفصلين ولأول مرة شعرت بفراغ لم تعهده قبلاً، لتتردد كثيرًا قبل أن تهاتفه متعللة بسؤال عن المواد المتاحة، وممكنة التسجيل للفصل الثاني رغم أنها تعرفها جيدًا، ويرد بحرارة جعلتها تشد أكثر على سماعة التلفون، ويدور الحديث حول مفاضلة بين أهمية المواد، ويتخلل ذلك سؤال جانبي على مسمع منها إلى زوجته عن بعض الارتباطات خلال الأسابيع المقبلة، لعدم التعارض مع تسجيل المواد للفصل المقبل، وينهي المكالمة بوعد منه بالاتصال، وتحديد المواد لاحقًا. وفي المساء أخذت تستعيد عباراتها كلمة.. كلمة، لعلها تصل إلى معرفة مدى اهتمامه باتصالها، أم أن الوقت لم يكن مناسبًا بكون اتصالها أثناء جلسة عائلية، أكدت لها مدى ارتباطه بعائلته.. وتمر الأيام وهي تحاول إقناع نفسها أنها تبالغ في مشاعرها، وأنها قد تجاوزت عمرًا مرحلة الاندفاع غير الناضج، وعدم تقييم الأمور كما يجب. وفي أولى محاضرات المواد المشتركة لمحت أثناء كتابته بعض الملاحظات أن قلمه الأنيق يزينه اسم نسائي بأحرف بارزة سمعته ينادي به زوجته عندما هاتفته خلال العطلة، وبالتواصل خلال المحاضرة تيقنت أن بها فضولاً داخليًا لمعرفة الأكثر عنه، فمعرفة الزمالة المحدودة وإن تخللها أحيانًا تبادل للآراء، ووجهات النظر في أمور خارج النطاق الأكاديمي، إلاّ أنها غير كافية لمعرفة دواخله، على الأقل لتجد ثغرة تنفذ منها إلى داخله أو لحظة مواتية لتوصل إليه بعضًا من اهتمامها.. وفي أحد الأيام تعذّر حضوره ليتصل بها حيث تفيده أنها سوف تحضر وستقوم بتدوين كامل الملاحظات في غيابه، وتمنت بعد إنهاء المكالمة أنه لم يلحظ اضطرابها، وبعد حضوره تقدم له ما كتبت مبالغة في إضفاء جماليات خاصة على الأسطر التي خطتها بعناية، وكأنما تريد إظهار المزيد من أناقة خفية قد يشعر بها، وأثناء تصفّحه وثنائه على ترتيبها تلاحظ ميدالية المفاتيح خاصته، وبها صور باسمه لعائلته الصغير محاطة بإطار على شكل قلب، وتلفها عبارة «معًا إلى الأبد». وفي اليوم التالي وبعد مراجعة ذاتية واعية تقرر تأجيل الفصل الدراسي لتجد متسعًا من الوقت لاستعادة توازنها العاطفي، وبالتالي تتلاشى رؤى كانت تنظر إليها من جانب واجد.