•في يوم الأربعاء 13 من شهر يونيو الحالي، توفي في باريس الفيلسوف والمفكر الفرنسي رجاء "روجيه" جارودي، الذي ملأ الدنيا ضجيجًا في مسيرته الحياتية، حين بدأها بتحوّله من المذهب البروتستانتي الذي كانت تعتنقه والدته إلى الكاثوليكية، ثم تحوّله إلى الفكر الشيوعي الإلحادي، حيث تزعّم لفترة طويلة المفكرين الفرنسيين الشيوعيين، غير أن انتقاداته للاتحاد السوفيتي وسياساته، أبعدته عن الحزب الشيوعي الفرنسي، فوجد في الإسلام ضالته، فأعلن إسلامه في 2 يوليو من عام 1982م في المركز الإسلامي في جنيف بسويسرا، وتسمّى باسم رجاء بدلاً من روجيه. •قبيل تحوّله إلى الإسلام «كان روجيه جارودي كما يذكر موقع "قناة 24" الفرنسية الإلكتروني مستأثراً طوال عقود باهتمام المثقفين ووسائل الإعلام الفرنسية، تقديراً لمؤلفاته الفلسفية وشجاعته السياسية.. غير أن ذلك انحسر بعد اعتناقه للإسلام، وحملاته على الصهيونية، وجعل منه كتابه (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) منبوذاً في المجال الإعلامي السياسي». •وقف هذا المفكر بكل شجاعة لحملات التشويه، والإبعاد الذي مارسته معه القوى الغربية المتنفذة والمؤيدة للرؤية الإسرائيلية المتصهينة.. وعانى كثيرًا من ذلك حتى أنه قُدِّم إلى محكمة استئناف باريس التي حكمت عليه بالسجن "9" أشهر مع وقف التنفيذ، ودفع غرامة مالية كبيرة بحجة تشكيكه في "الهولوكوست" محرقة اليهود على يد النازيين الألمان إبان الحرب العالمية الثانية تحت قيادة أدولف هتلر. •بدأ صراع رجاء جارودي مع الصهاينة مباشرة بعد مجازر صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها عصابات الكتائب اللبنانية ضد الفلسطينيين في عام 1982م بمساعدة الإسرائيليين إبان غزوهم لبيروت آنذاك، حين أصدر مع عدد من المفكرين الفرنسيين بياناً نشروه في جريدة "لوموند" الفرنسية يدين المجازر ويحِّمل إسرائيل المسؤولية. •وكانت قاصمة الظهر للصهاينة كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، لأنه فنّد فيه بطريقة منهجية تفكيكية وتحليلية المزاعم اليهودية بمقتل أكثر من (6) ملايين يهودي في "محرقة" الألمان. وقد درّستُ الكتاب لطلابي في مرحلتي الماجستير والدكتوراة في قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز، لمنهجيته المميزة وتناوله العلمي الرفيع. وكان الكتاب سببًا في تقديمه للمحاكمة بدعوى معاداة السامية التي تُعتبر "جريمة" في كثير من قوانين الدول الغربية. •رجاء جارودي الذي نال جائزة الملك فيصل العالمية في عام 1982م عن كتابه "الإسلام دين المستقبل"، وعن دفاعه عن الحقوق الفلسطينية، يموت في سن "98" بهدوء لم ينل معه اهتمام وسائل الإعلام العربية والإسلامية، ولو كان مناصرًا للصهاينة لملأوا العالم ضجيجًا بخبر وفاته، وأبرزوا مزاياه، كما ملأوا الدنيا ضجيجًا واحتجاجًا على أفكاره المناهضة لهم. [email protected]