النقد عملية إبداعية محضة في أجمل صورها وأحسن تجلياتها، لأن أجدر الناس بنقد الزراعة هو المزارع، وأجدر الناس بنقد الصناعة هو الصانع، وأجدر الناس بنقد الذهب هو الصائغ؛ وكذلك فأجدر الناس بنقد الأدب هو «الأديب».. وقصة الشعراء مع النقد قديمة في الأدب العربي بدءًا من النابغة.. ومرورًا بالعديد من الشعراء في كل العصور الذين كانت لهم ملاحظات نقدية عابرة.. لكن في الأدب الحديث ظهر الشعراء النقّاد بشكل لافت للنظر، فمنذ زمن «ودزورث» «وكولردج» الشاعرين اللذين برزا في النقد وخاصة في نظرية الخيال، ومرورًا ب»ت.س.ايليوت» الشّاعر الناقد والناقد العظيم معًا. .. وفي العصر الحديث يبرز من الشعراء النقاد، نازك الملائكة، و نزار قباني، وصلاح عبدالصبور، وغازي القصبي.. وغيرهم.. لكن الأعجب والأجمل في قضية الشعراء النقاد، الشعراء الذين كانوا يتميزون بحاسة نقدية مذهلة وقد قيّض لي أن أستمع إلى ظاهرة الشعر الحديث الشاعر «أمل دنقل» في لقاء تلفزيوني نادر، فذهلت لتلك الرؤى النقدية التي تحدث من خلالها عن مفهوم الشعر والشاعر والشعرية فضلاً عن لغته السليمة الجميلة.. كان السؤال الذي يعبر أفق ذهني وقتها: ماذا لو سجل أمل دنقل هذه الرؤى..؟! وإن كان في سياق حديثه يؤكد على: «الإخلاص للفن»؛ بمعنى أنه مخلص للشاعرية دون غيرها. وحديث أمل دنقل النقدي المشوق النادر مؤكد آخر على أن الناقد الحقيقي هو المبدع وحسب ..!!