كل الكلمات، تفقد فعلها وسحرها وضرورتها أمام الموت. تفقد القدرة على صياغة جملة مفيدة وأنت تواسي من ودع عزيزا إلى مثواه الأخير وعاد خالى الوفاض إلا من هول الفاجعة وأطنان الحزن ووجع الفراق؟ كيف إذا كان الراحل عظيماً وركناً ركيناً في كيان دولة بحجم دولتنا الحبيبة؟ كيف نملك القدرة على الرثاء ومازال حزن الأمس يطوف بالأرجاء؟ لكنه الموت، يخطف ما يشاء ولا سلطان لحكمه عند حلول القضاء. ها نحن نعيش يوما حزينا آخر بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز يعيد إلى الأذهان حزنا عشناه يوم تلقينا خبر وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز . يوم حزين آخر يعيشه الوطن تثقله فجيعة الخبر ومباغتة الرحيل، حتى مع اعلان الديوان الملكي وفاة الأمير نايف إلا أن الموت يتداعى أمامه اليقين مع أنه اليقين والحقيقة الثابتة في صيرورة الحياة. الحياة ضيقة مهما اتسعت، والعمر قصير مهما امتد، ومع هذا لا يتخلى الموت عن فعل المباغتة ومظاهر الهيبة وصيغة الحزن لأن الفراق صعب ولأن الرحيل أبدي، لكن تبقى مآثر الراحل حياة أخرى متجددة وكأنه يولد كل يوم وفي كل عصر وزمان إذا كانت المآثر كبيرة وعظيمة وتمتد أفرعها إلى كل اتجاه. نايف بن عبد العزيز لن يبرح الذاكرة سريعا، بل سيخلد في ذاكرة الوطن وذاكرة الأمة، بعطاءاته الخالدة، سيطول يوم الحزن لكنه لن يكون يوما عاديا، لأنه يوم رحيل المسئول الذي أرسى دعائم الأمن في أرجاء الوطن بيد من حديد ، والرجل الانسان الذي بسط يده الأخرى بالحب والرحمة. ضرب بيد من حديد على كل من أراد ترويع الآمنين والعبث بأمن الوطن، وبسط يده الأخرى لإتاحة الفرصة تلو الفرصة لأوبة الإبن الضال، ليجد كل ما يحلم به يقدم له بعطاء الأبوة وحكمة المسئول الذي يوازن بين كفتي الصفح والعقاب فيختار الأولى ليدخل السعادة والفرحة على قلوب آباء وأمهات فجعوا في فلذات أكبادهم وفقدوهم أحياء فأعادهم برنامج المراجعات وكرسي الأمير نايف للأمن الفكري والمناصحة إلى جادة الصواب. يهدف كرسي الأمير نايف إلى تحقيق الريادة ليس فقط محليا بل دوليا في دراسات الأمن الفكري، والعالم كله عانى من الارهاب وواجه ويلاته ولا بد أن الدراسات في هذا المجال ومجال الأمن الفكري تمكّن من الوصول إلى أنجح الطرق لبناء المفاهيم الصحيحة لتحصين الفكر من الانحراف الذي هدد أمننا وأمن العالم وألصق تهمة الارهاب بالاسلام، من هنا تأتي أهمية تحقيق الريادة في مجال الأمن الفكري محليا ودوليا لتصحيح الصورة المغلوطة عن الاسلام والمسلمين. يهدف كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري ( إلى تطوير وإثراء المعرفة في مجال الأمن الفكري كمقوم من مقومات التنمية المستدامة والرقي والنهوض على صعيد الفرد والمجموع.) توقفت قليلا عند الأمن الفكري لأنه كان الشغل الشاغل للأمير نايف رحمة الله عليه، فهناك العديد من المشروعات التي تمول وتدعم الدراسات البحثية في الجامعات المختلفة، من خلال تأسيس كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لتمويل الأبحاث في الجامعات السعودية للقيم الأخلاقية، لتنمية الشباب، لدراسات الأمن الفكري، للوحدة الوطنية، للوقاية من المخدرات. جائزة الأمير نايف للسنة النبوية، جوائز لحفظ السنة النبوية، وعطاءات كثيرة لا يمكن حصرها ولا عدها في مساحة محدودة ومقالة تكتب بارتجافة حزن. رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وألهم أهله وأبناءه وأحبته الصبر والسلوان، كما أتقدم بأحر التعازي إلى خادم الحرمين الشريفين، وإلى أهله ومحبيه وإنا لله وإنا إليه راجعون. [email protected]