في تاريخ الأمم قادة ورموز، تتجاوز منجزاتهم حساب السنين، وسجلات الأرقام القياسية، إلى منطقة أخرى تحجزها صفحات التاريخ لأصحاب الرؤية، والقادرين ببصيرتهم النافذة على استجلاء الحاضر، واستشراف المستقبل، والاستعداد التام للتعاطي مع استحقاقاته باقتدار، يشهد عليه التاريخ، ويدّخره بين دفتي كتابه للأجيال. ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز، الذي رحل بالأمس عن عالمنا، واحدٌ من هؤلاء الرموز، فعلى مدى سبعة وثلاثين عامًا، منذ تقلّد مسؤولية الأمن، استطاع أن يؤسّس لرؤية أمنية، مزجت بين مقتضيات الأمن الخالصة، وبين ما هو ثقافي، وما هو اجتماعي، وما هو إنساني، وما هو ديني، على نحو فريد، ربما لم تسمع به أرقى المؤسسات العلمية، والمراكز البحثية العالمية في أرقى بلاد الأرض. هذه الأدوات الناعمة لتحقيق الأمن تزامنت وتواكبت، مع تحديات أمنية أخذت في التصاعد، متأثرة بتطورات إقليمية وعالمية، كان من بينها ثورةٌ في إيران حملت رياح التهديد إلى الجوار، وغزوٌ لأفغانستان أجّج مشاعر دينية فياضة، وضخّها في مسارات الجهاد والعمل المسلح، ثم حربٌ بين العراق وإيران امتدت لثماني سنوات، وانتهت بغزو عراقي للكويت، ثم حربٌ دوليةٌ لإسقاط نظام صدام حسين، سبقتها وأعقبتها نشاطات لعصابات الإرهاب المسلح من عناصر ضالة، استهدفت تقويض أمن وسلامة هذا الوطن، ثم توترات إقليمية في مناطق الجوار في اليمن، والبحرين، ومصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، في كل ما تقدم كان الراحل نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، ثم سمو ولي العهد بعد ذلك، في الصفوف الأولى يخوض المواجهة، ويربح التحدّي تلو الآخر، مستلهمًا قيم هذا الوطن، وتراثه العظيم. نظرية الراحل العظيم للأمن، فكريًّا، وحضاريًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، وإنسانيًّا، باتت مؤسسة تملك مقومات الاستمرار. وذلك هو مناط العظمة في العظيم. أن يرحل وتبقى رؤيته ذخرًا لأجيال، وحصنًا لوطن. رحم الله نايف..