في روايته التي ستظل أيقونة الأدب السياسي على مر العصور، 1984، تنبأ جورج أورويل بسقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي قبل حدوث ذلك بحوالي أربعة عقود، وفي التاريخ الذي حدده كبداية لمسيرة السقوط والانهيار التدريجيين: 1984. ورغم أن العالم شعر بالذهول عند تحقق النبوءة في تاريخ مقارب للتاريخ الذي حدده أورويل للسقوط، فإن البشر وخصوصا أولئك المهتمين بأدب أورويل، كانوا على موعد آخر للدهشة مع نهاية العقد الأول للألفية الجديدة. في روايته 1984 تخيل أورويل أن السلطات توصلت إلى اختراع فريد يمكنها من مراقبة الناس في أماكن سكنهم وأعمالهم، إضافة إلى الأماكن العامة. هذا الاختراع يتمثل ببساطة في شاشة إلكترونية تقوم بتصوير الأشخاص ودراسة ردود أفعالهم، تمهيدا للتعامل السريع مع أي بوادر تذمر أو غضب أو عدم رضا يشعر بها البعض تجاه الأوضاع القائمة. وهكذا أصبح المجتمع تحت سيطرة أجهزة الأمن بشكل شبه مطلق، بعد أن تمكنت هذه الأجهزة من تحقيق أكبر قفزة نوعية في تاريخها، حيث أصبحت قادرة على قراءة ما يدور في عقول الناس دون أن تستدعيهم للتحقيق، ودون أن تقوم بتوجيه سؤال واحد مباشر لهم. إنها ببساطة أصبحت تقرأ أفكارهم بمنتهى الدقة بعد أن يكونوا قد قاموا بأنفسهم بتدوينها! الشاشة الإلكترونية التي تحدث عنها جورج أورويل في روايته 1984، والتي كانت تبدو شطحة من شطحات هذا الروائي العبقري، أصبحت واقعا ملموسا منذ أن تعرف البشر إلى موقعي التواصل الاجتماعي: فيس بوك وتويتر. لقد أصبح مئات الملايين من البشر الذين يمتلكون حسابات شخصية في كل من فيس بوك وتويتر، يتجسسون على أنفسهم لحساب وكالات الاستخبارات العالمية الكبرى، وفي مقدمتها وكالة المخابرات الأمريكية ( سي آي إيه ). وهو ما يكاد يتطابق مع الشاشة الإلكترونية التي ورد ذكرها في رواية أورويل المشار إليها آنفا. العالم أصبح تحت السيطرة أكثر من أي وقت، بحلول الألفية الثالثة. لقد كانت هذه هي نبوءة أورويل المذهلة بالفعل. [email protected]