خمسة عشر شهرًا انقضت منذ اندلاع الثورة في سوريا ضد نظام عائلة الأسد، ربما لم تكن كافية لتحقيق أهم أهداف الثورة، وهو الإطاحة بالرئيس السوري، وبنظامه الموغل في الإجرام، لكنها فيما يبدو كافية لكشف خفايا الصراع الدولي على المنطقة، فالثورة السورية لا تتعثر لعوامل ذاتية فحسب، والنظام السوري لا يوغل في الإجرام لأسباب "جينية" فقط، وإنما يستمر مسلسل المجازر والتدمير في سوريا لأن قوى الفعل الدولية، تخوض فيما بينها سباقًا لأحكام الهيمنة على الإقليم برمته. فبينما تقود الولاياتالمتحدة تحركًا دوليًا يستهدف وقف أعمال العنف وتوفير الحماية للمدنيين السوريين ضد أعمال القتل، يتحرك الروس رافعين الشعار ذاته، ولكن لتحقيق غايات أخرى، ليس من بينها بالتأكيد مساعدة الشعب السوري على نيل حريته، والتخلص من نظام لم يتورع عن استخدام سلاحه الجوي ضد شعبه(حدث هذا أمس الأول في حمص وفي ريف دمشق). التحرك الروسي الأخير، وحالة النشاط التي دبت فجأة في الدبلوماسية الروسية، وراءها رغبة موسكو في الاحتفاظ بقاعدة بحرية في اللاذقية، ومحطتين للتنصت الراداري، فضلاً عن موطىء قدم للتأثير والتغيير في المنطقة برمتها، واللافت أن موسكو عندما أرادت التحرك، دفعت بإيران إلى طاولة الحل والعقد في شأن سوريا، بدعوى أنها إحدى القوى الإقليمية التي لا يمكن تجاهل تأثيرها في الشأن السوري، وكأنما أرادت موسكو توزيع بعض الأدوار على بعض القوى ضمن تصوراتها لشكل وخارطة الشرق الأوسط الجديد. رفض التصور الروسي لا يكفى لتحريك قضية شعب يواجه الموت على يد نظامه في كل لحظة، فالتصورات تستحق ردًا بتصورات مضادة، لكن أحدًا في العالم العربي قد لا يستطيع مهما بلغت قدرته أن يمتلك تصورًا في اللحظة الراهنة تتخلص بموجبه الأمة العربية من مهمة المفعول به، وتمتشق سيف الفاعل، فالمنطقة تحت وطأة ثورات الربيع العربي تشكو حالة من السيولة قد تطول، وتواجه مشكلات نقص المناعة على نحو يهدد قدرتها حتى على الاحتفاظ بما تحت أيديها من أوراق. بغير بعض الصبر وبعض الحلم وبعض الخيال وكل الإرادة، لن يكون ممكنًا للنظام الإقليمي العربي التعامل مع استحقاقات المستقبل، لكن ذلك كله أيضا قد لا يتحقق بغير أن يستعيد النظام الإقليمي العربي عناصره الفاعلة.. استقرار مصر شرط لا بديل عنه لاستعادة القدرة على معالجة الوضع العربي المتردي، دعونا نبتهل إلى الله أن يمنّ على مصر بالأمن والاستقرار وأن يعيدها إلى موقعها الطبيعي في النظام الإقليمي العربي.