باتت فضائيات العرب تثقل كاهل الفضاء عددًا، لكنها في الكيفية كثيرًا ما تشعر بالحيرة إزاء التسابق في استقطاب العدد الأكبر من المشاهدين الذين بإمكانهم وبضغطة زر التحول لمحطة أخرى، فصار الكثير منها يستجدي ويتوسل ويرجو وأحيانا يُحذِّر (بتخسر إذا ما بتحضر)! وفي سياق هذا التنافس المحموم بدأت سباقات أخرى للحصول على حقوق تعريب البرامج العالمية (الأمريكية غالبًا) التي تحقق نسبة مشاهدة عالية، مفضلة استنساخ البرنامج الأصلي على ابتكار برامج عربية أصيلة، وأدبيًا يحمد لها حفاظها على الحقوق الأدبية بدلًا عن سرقة الأفكار وحرقها، إلا أن توجيه برنامج أمريكي الصنع لمجتمع عربي مسلم يتطلب أكثر من استنساخ الديكور والاكتفاء بترجمة اللغة، لأن البرامج الأمريكية تبث بالترجمة العربية المطبوعة على الشاشات العربية فما سبب التعريب وما رسالته؟! معضلة اختلاف القيم أكبر من مجرد (دبلجة) برنامج، ولهذا لم يكن برنامج (الحقيقة) الذي أنتجت نسخته العربية إحدى القنوات العربية لم يكن مثيرًا كما نسخته الأمريكية، حيث لاقى تحديًا كبيرًا وخيارًا صعبًا، فالنسخة الأمريكية مثيرة كونها ثرية بالاعترافات الخطيرة على المستوى الشخصي لكنها لن تقابل بعقوبات قانونية أو تبعات مجتمعية، لكن المعترف العربي سيكون عرضة للملاحقة القضائية والنبذ الاجتماعي لو لمّح ببعض تلك الممارسات، وبدا أن تعريب البرامج التوعوية أجدى وأنفع للمجتمع العربي فبادرت قناة عربية أخرى بالحصول على حق تعريب البرنامج الشهير The Doctors الذي تبثه إحدى القنوات العربية مترجمًا باللغة العربية المطبوعة، وكانت خطوة تعريب The Doctors قيمة وسديدة، فالبرنامج يعنى بالصحة ويناقش أعراض الأمراض وأحدث التطورات الطبية، لكن النسخة العربية منه تواجه تحديات مهنية منها ما يتعلق بعرض الأحدث وهذا ما ليس متوفرًا في مستشفياتنا العربية وما لا يمكن نصح المريض العربي بالتوجه له ومنها ما يتعلق بوعي الأطباء العرب مقدمي البرنامج بالرسالة التوعوية التي يحملها البرنامج حيث يُصرّون على الحديث باللغة الإنجليزية كثيرًا ليس فيما يتعلق بالمصطلح الطبي أو التركيبة الكيميائية للدواء، فنسمع جملًا هجينة من نوع (الفرق between them) أو توصيفًا لبعض النصائح الطبية بمثل (يجب عمل astrch للعضلات)، وأتخيّل كيف يفهم النصيحة من لا يتبادر لذهنه حينها إلا (بنطلونًا ضيقًا مطاطًا). لكي تؤتي النسخ العربية للبرامج العالمية أكلها، ينبغي أن تنطلق كليًا من متطلبات واحتياجات المجتمع العربي بكافة شرائحه ومستوياته الثقافية المختلفة، وأن يخاطب العقل العربي ويساهم في تكوين وعيه وترسيخ قيمه، إلا إن كان التعريب من باب التقليد فقط لملاحقة الغرب! [email protected]