عرف وادي الزاهر في العصر الجاهلي بوادي فخ بدليل أن بلال بن رباح رضي الله عنه كان يتمثل هذا البيت: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بفخ وحول أذخر وجليل وينسب هذا البيت لبكر بن غالب الجرهمي والله أعلم. وقد ذكر الجزيري في الروض المعطار: (أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اغتسل بفخ قبل دخول مكة)، ذكره الواقدي (المتوفى سنة 207ه) في مغازيه، يقول: وَالثّنِيّةُ الْبَيْضَاءُ الّتِي تُهْبِطُكَ عَلَى فَخّ وَأَنْتَ مُقْبِلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ. كما أورد الفاكهي (المتوفى سنة 272ه) في أخبار مكة قوله:.. وبهذا الوادي لقي النبي صلّى الله عليه وسلّم لقي زيد بن عمرو بن نفيل قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم. ومن حديث موسى بن عقبة قال: (حدثنا سالم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه سمعه يحدث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه لقي زيدا بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم الوحي فقدم إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، وقال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه. حدّث بهذا عبدالله عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) الفاكهي ج4ص126. والحديث في صحيح البخاري. ولم تغفل كتب المؤرخين هذا الوادي فذكره الأزرقي (المتوفى سنة 250ه) في أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار بقوله: «فخ: وفخ وهو وادي مكة الأعظم».. وهنا نلحظ أنه فخ وليس الزاهر، ومن المؤرخين المتقدمين محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة 310ه) في كتابه تاريخ الرسل والملوك وقد ذكر اسم الوادي بفخ ولم يذكره بالزاهر وقد ثم وصف معركة فخ التي وقعت بين جماعة من العلويين وموسى الهادي في عام 169ه. ومنهم المسعودي صاحب مروج الذهب (المتوفى سنة يقول 346ه) ولم يذكره بالزاهر بل بفخ، ووصفه بأنه ظاهر مكة وعلى ستة أميال منها. وذكر البكري (المتوفى سنة 487ه) في معجمه الوادي بقوله: «بفتح أوله وتشديد ثانيه: موضع.. بينه وبين مكة ثلاثة أميال، به مُوَيه». وإلى القرن الخامس كان يعرف بفخ دون ذكر الزاهر. وأول من أشار له بالزاهر ياقوت الحموي (المتوفى سنة 626ه) يقول: «فخ بفتح أوله وتشديد ثانية، والفخ الذي يصاد به الطير معرب وليس بعربي.. وهو واد بمكة»، وقال السيد علي (ويقصد السيد علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس المتوفى 506ه) الفخ وادي الزاهر ويروى قول بلال ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بفخ وعندي إذخر وجليل ومن هذا نفهم أن مسمى الوادي باسم الزاهر ظهر على التقريب بداية القرن السادس ولم يكن معروفًا قبل ذلك. وأول من أثبت اسمه بالزاهر الرحالة ابن جبير (المتوفى سنة 614ه) قد وصف في رحلته إلى مكة هذا الوادي وصفًا جميلًا خلابًا بقوله: «وتلقى الزاهر وهو مبتنى على جانبي الطرق يحتوي على دار وبساتين والجميع ملك أحد المكيين وقد أحدث في المكان مطاهر وسقاية للمعتمرين وعلى جانب الطريق دكان مستطيل تصف عليه كيزان الماء ومراكن مملوءة للوضوء وهي القصارى الصغار وفي الموضع بئر عذبة يملأ منها المطاهر المذكورة فيجد المعتمرون فيها مرفقًا كبيرًا للطهور والوضوء والشرب فصاحبها على سبيل المعمورة بالأجر والثواب وكثير من الناس المتأجرين من يعينه على ما هو بسبيله وقيل إن له من ذلك فائدًا كبيرًا». وأشار إليه ابن بطوطة (المتوفى سنة 779 ه) بقوله: «... ومنها الزاهر، وهو على نحو ميلين من مكة على طريق التنعيم، وهو موضع على جانبي الطريق فيه أثر دور وبساتين وأسواق وعلى جانب الطريق دكان مستطيل تصف عليه كيزان الشرب وأواني الوضوء، يملؤها خديم ذلك الموضع من آبار الزاهر وهي بعيدة القعر جدًا.. وذي طول يتصل بالزاهر». واستمر الوادي في العصر العثماني يؤدي تواصله ويسقي منابته التاريخية والأثرية بالرغم من الاضطرابات الأمنية والشجارات الاجتماعية؛ فبنيت به القصور العامرة والدور الفارهة واتخذه الناس متنزهًا سياحيًا يوم أن كان (بعيدًا عن مكة) فما نلمسه من دور وقصور عليها الوسم العثماني يثبت مكانته في هذا العصر، وعمارته وأبنيته المتبقية اليوم أوضح دليل على ما كان عليه الوادي إبان العثمانية. ومن أشهرها قصر أحمد عزت باشا وقلعة الزاهر. وذكر السباعي (ص 573) أن المكيين: «كانوا يخترعون المناسبات والأعياد ليخرجوا في مواكبهم إلى الجعرانة أو وادي ميمونة أو وديان فاطمة أو وادي الشهداء في زينة بادية وأنواع من الأطعمة الشهية فيقيمون حفلاتهم..». كما ذكره المستشرق الهولندي سنوك خورنيه في كتابه «صفحات من تاريخ مكة» (ج1 126): «ولا يزال هذا المكان يحظى بعناية خاصة لدى المكيين، ويسمى في الوقت الحاضر الشهداء. ويذهب أهل مكة في فصل الصيف لقضاء أوقاتهم في هذا المكان، دون أن يعرفوا سبب هذه التسمية، التي يقتصر معرفتها على المثقفين فقط». وأبلغ من وصف وادي الزاهر أمير البيان العربي شكيب أرسلان في رحلته الشهيرة «الارتسامات اللطاف»، وهي عبارة عن مشاهدات تاريخية وأدبية للديار المقدسة قام بها عام 1348ه، يقول في وصفه للزاهر: «.. وهو اسم طابق مسماه: بسيط أفيح تلعب فيه الرياح بدون معارض إلا من بعض آكام على جوانبه تزيده بهجة، وأهاضيب وتلعات إذا أقبل الربيع تكللت بالأزهار، فسمي من أجلها الزاهر. وهو في إبان القيظ أخف حرارة من البلدة لاسيما بعدت غروب الشمس، وأنقى هواء وأنشط صقعًا. وفيه مياه تجري في قنى تحت الأرض من قديم الدهر، وبقايا قصور لأشراف البلد وسراته، وفيه مقاه على الطريق للسابلين، ومقاه على نجوة من الطريق ينتابها الناس من مكة عند الغروب فيبيتون فيها ويغدون عند الصباح إلى أشغالهم بمكة، ويكون مبيتهم على مقاعد مستطيلة في الخلاء فلا يضع أحدهم رأسه على مخدته إلا ثقلت أجفانه من لطف الهواء فينام إلى الفجر..»، ويقول: «ومن بعد ذلك بقيت في أواخر مقامي بمكة أتردد إلى الزاهر عصر النهار وأتندم على فوتي إياه وكان ينشرح صدري في كل مرة أفيض فيها من وراء تلك الآكام إلى بسيط الزاهر». الوادي إبان الحرب العالمية الثانية: نحن نعرف أنه حدث أثناء الحرب العالمية الثانية نزوح كبير وعشوائي صوب المدن نتيجة الجفاف الذي ضرب الأودية المحيطة بمكة بالإضافة لظروف الحرب وقد حصل تجمع بشري كبير بهذا الوادي بحثًا عن الطعام نتج عن ذلك مشكلة لاجئين وتفشت مجاعة شديدة جدًّا بسبب هذا التزاحم، حيث لجأت الحكومة في ذلك التاريخ لاستحداث مخبز خيري بالجموم يقوم بتوزيع الخبز مجانًا بنظام معين بهدف تخفيف الضغط عن مكة وبالفعل اتجه الناس للجموم وخف الضغط كثيرًا عن هذا الوادي. وهو أول حي بمكة يشهد مخططًا هندسيًا عمرانيًا، في المنطقة المحيطة بمستشفى الملك عبدالعزيز بالزاهر في عام 1366ه. وتتضح سعة الشوارع بتلك المنطقة وروعة تصميمها رغم قدمها كما تشاهد القصور (التراثية) وهي نواة العمران الحديث. وفي حدود عام 1367ه قام مجموعة من المخططين من هيئة المصلحة المصرية برسم خرائط لمكة ومنها حي الزاهر وقاموا بتثبيت كثير من أسماء الأماكن على هذه الخريطة.