في الثمانينات الهجرية ما كان يزعجنا سوى أغنيتين تذاعان من الراديو، إحداهما تذاع كل صباح للفنان وديع الصافي، تقول كلماتها: «قُم يا بني قُم على مدرستك قُم يا بني قوم»، والأخرى أغنية لطفل تتم إذاعتها في كل موسم امتحانات، وتقول كلماتها «يُمَه الاختبار عالباب»، ف(وديع الصافي) أطال الله في عمره، يسرق من أعيننا أجمل اللحظات وهو يحثنا على القيام، لأننا نكون وقتها في سابع نومة، أما الطفل، فإنّ أغنيته تلك تقض المضاجع، وتستحضر الأرق. أكتب لكم والامتحانات على الأبواب، والسباق على أشده بين فريقين من الطلاب، فريق أعد العدة لخوض غمار هذا السباق «واثق الخطى»، وفريق آخر يعصر مخًُه ليستنبط فكرة جديدة تمكنه من الغش بسلام، فأمام كل تطور في عملية المراقبة، تطور آخر في عملية الاحتيال، فقد ولّى زمن (الطاقية البرشام) والكتابة على ذيل (الثوب) وقوائم السروال! وحلّ مكانها الغش التكنولوجي -إن صح التعبير، وما على مراقبينا سوى أن يلجأوا إلى الطريقة التي استخدمها أحد المدرسين النمساويين، والذي سلط جهاز تشويش لمنع طلابه من الغش، أو أن يستعينوا بكاميرات فيديو كما فعل بروفيسور ألماني لمراقبة طلابه أثناء امتحان مادة الرياضيات في قسم العلوم الاقتصادية، إذ وجد صعوبة في مراقبة 120 طالباً بمفرده وبعينين فقط كما قال. الأنظمة كانت ولا تزال تقتضي من المراقب أن يثبت الغش بالدليل ويرفقه، ولكن طلاباً كثراً قد ضيعوا على المراقبين تلك الأدلة عن طريق ابتلاع (البراشيم)، أو مسح المعلومات التي تم تدوينها باستخدام قلم الرصاص، ولا أنسى مشهد ذلك الطالب الذي دون قصائد مادة (النصوص) على ذراعيه، وحينما تم ضبطه، ضيع على المراقب (الإثبات) بعد أن مرّر يده المبتلة بالعرق على (الذراع البرشام)، فأصبحت الكتابة أثراً بعد عين. سنرى إلى أين وصل مُكر وفكر أولئك العباقرة! [email protected]