الانسان عاشق لما لا يملك ولما ليس في يده، هذه حقيقة أثبتتها الوقائع والتجارب المتنوعة والمختلفة، فنحن نعشق البعيد ونمل القريب، نحب الشيء الذي لم يقع في أيدينا وحوزتنا واذا وقع في أيدينا ألفناه ومللناه وانشغلنا بعشق وحب ما لم نحصل عليه بعد، هكذا هي معادلة الحب والعشق، نحب ونعشق ما لا نملك ونفقد هذا العشق حين امتلاكه، حتى أشعار المديح والعشق تنظم للبعيد حتى يقترب وللقريب حين يفتقد. فنحن ننظر إلى ما لا نملك ونمد أعيننا الى البعيد عن أيدينا، ونفقد الرؤية والتأمل لما في أيدينا وقبضتنا، حيث لا نرى في البعيد سوى المحاسن وفي القريب سوى المساوئ، في الحقيقة نحن نعشق ما لا نملك لأننا لا نعرف ما لا نملك، فنسبح معه في الخيال لنكون له تصوراً بعيداً عن الواقع وما أن يقع في أيدينا ليعيش معنا الواقع إلا ويذوب هذا العشق المزيف والوهمي، فبدلاً من أن نعيش واقعنا لنكون العشق والحب الحقيقي تجدنا نكرر نفس التجربة فنهرب إلى الأمام لنبحث عن عشيق آخر بعيد عن الواقع. لذلك نجد أن أفضل مرحلة يعيشها الشاب والفتاة هي فترة الخطوبة وذلك لأنهم يعيشان الخيال أكثر من الواقع، حيث نظرة كل منهما للآخر تنطلق من الرؤية المنسوجة في خيال كل منهما والتي كونتها مشاعرهم وعواطفهم، فتعبيرالشاب عن الحب والعشق لشريكة حياته قبل الزواج هو ليس تعبيراً حقيقياً وانما تعبير صنعه البعد والانتظار، فهي حبيبته لأنه لم يملكها بعد ولم تقع في يده بعد، وما أن تأتي فترة الزواج إلا وتجد هذا الحب والعشق يتحول إلى حياة طبيعية وتقليدية مما يجعل الزوجة تطلب الحب والتقدير والاحترام التي كانت تشعر به وتسمع به سابقاً، المشكلة أننا دائماً نريد أن نعيش الخيال ونهدم الواقع، فالعلاقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج والتي تبنى على الخيال والتصور هي علاقة لا يحكمها العقل وإنما تحكمها العواطف والمشاعر غير المنضبطة والتي تفتقد إلى مفهوم المسؤولية والواقعية عن الزواج، فالعشق لا يتكون في الذهنية وإنما يتولد من التجارب والممارسات الطويلة لكل منهم. لذلك لا بد أن نعي جيداً أن العشق الذي يتولد من خلال الواقع والتجربة والعشرة هو أبقى وأدوم من العشق الذي صنعه الخيال وتفاعلت معه العواطف والمشاعر ولكنه في حقيقته لم يولد بعد. بدر مطلق الجويد - المدينة المنورة