قبل أن يتم عامه ال36 بشهرين،قرر النجم الهولندي المخضرم رود فان نيستلروي الانسحاب من عالم الساحرة المستديرة وكتابة السطر الاخير في أسطورته التهديفية مع فريق مالاجا الإسباني الذي أعلن الاعتزال بين صفوفه في خضم نشوة الافراح بالتأهل التاريخي لدوري ابطال أوروبا. ربما لا يعرف عشاق نيستلروي أنه بدأ في الأصل في قلب الدفاع مع فريق دن بوش بالدرجة الثانية في بلاد الطواحين البرتقالية موسم 1993-1994 ، لكن الصدفة قادته ليتحول الى مركز رأس الحربة، ليبهر مدربيه حينها بقدرته الفائقة على هز الشباك. التفت نادي هيرينفين لموهبة الفتى اليافع فارع الطول، فقرروا التعاقد معه بمبلغ لا يتجاوز 360 الف يورو، لكن استمراره في احراز الاهداف بلا انقطاع جذب اليه مسؤولي أيندهوفن الذين ضموه للفريق في 1998 مقابل مبلغ قياسي في سوق الانتقالات آنذاك ب 6.3 مليون يورو. لم يخيب فان جول ظن إدارة وجماهير بي إس في، فسجل في موسمه الأول 31 هدفا في 34 مباراة، ليمنح فريقه لقب الدوري الهولندي ويقتنص هو لقب الهداف، الذي حافظ عليه في الموسم التالي بتسجيل 29 هدفا في 23 مباراة مما لفت إليه أنظار كشاف المواهب في مانشستر يونايتد السير أليكس فيرجسون. طريق نيستلروي الى مانشستر لم يكن مفروشا بالورود، فبالرغم من الحفاوة الشديدة التي استقبل بها عقب التعاقد معه مقابل 18.5 مليون جنيه استرليني عام 2000 ، الا أن عين الحسود أو سوء الحظ أصاب اللاعب خلال حصة تدريبية صيفية قبل انطلاق الموسم، ليضطر نادي الشياطين الحمر لإرجاء التعاقد معه لعام كامل، مع دفع نصف مليون استرليني إضافية لأيندهوفن، إيمانا منه بأهميته وقيمته كهداف نادر. فقد انتقدته اقلام الصحفيين كثيرا حتى قبل أن تطأ قدماه المستطيل الأخضر، فقط بسبب الثمن الباهظ الذي اشتراه به نادي فيرجسون، لكن حينما يسجل 23 هدفا في 32 مباراة، ويحقق رقما قياسيا بالتهديف في ثماني مباريات متتالية، مع تسجيل عشرة اهداف في دوري أبطال أوروبا في موسمه الأول، فإن ذلك كان كفيلًا بإخراس تلك الألسنة الحاقدة. في الموسم التالي سجل 44 هدفا في 52 مباراة محلية وأوروبية، بينها عشرة في الشامبيونز ليج، وفي ثالث مواسمه أحرز 16 هدفا في 27 مباراة، لكن الإصابة أعاقت طريقه في موسمه الرابع مع مان يونايتد، فاكتفى ب16 هدفا في 27 مباراة، قبل أن يسترد عافيته في الموسم الخامس والاخير ب24 هدفا في 47 لقاء. وتردد أن خلافا نشب بين نيستلروي وفيرجسون أسفر عن جلوسه على مقاعد الاحتياط للعديد من المباريات، وقد كشفت الصحف آنذاك أن سبب الخلاف هو الشجار الذي وقع بين الهداف الهولندي والبرتغالي الصاعد كريستيانو رونالدو بسبب انانية الأخير واحتفاظه المفرط للكرة. خلاصة مرحلة مانشستر كانت التتويج بأربعة القاب في خمس مواسم، أبرزها دوري البريمير ليج موسم 2002-2003 والذي حصد فيه لقب هداف البطولة، بجانب كأس الإتحاد الإنجليزي وكأس رابطة المحترفين، وإجمالا سجل معه 150 هدفا في 217 مباراة، كما يظل الهداف التاريخي للفريق في دوري الأبطال ب38 هدفا. من عملاق إنجلترا انتقل نيستلروي الى عملاق إسبانيا وسيد أندية القرن ال20 ريال مدريد في 2006 ولعب بقميصه ناصع البياض حتى 2010 ، وقد حمل معه كأس الليجا عامي 2007 و2008 بجانب كأس السوبر المحلي في العام الأخير. كان فان جول في قمة عطائه التهديفي بموسمه الأول مع الريال، فسجل 33 هدفا في 47 مباراة ليفوز بلقب البيتشيتشي كأفضل هداف في الليجا، وفي الثاني سجل 20 في 33 مباراة، لكن الإصابات نالت منه في الموسمين الاخيرين فسجل 11 هدفا في 16 مباراة فقط، كما لم يحقق حلمه في التتويج بدوري أبطال أوروبا كما أخفق في نفس الأمر مع مانشستر. تيقن نيستلروي بأن فرصه في اللعب تضاءلت مع الفريق الملكي لتعدد الإصابات فضلا عن بزوغ نجم كريستيانو رونالدو في موسمه الأول ووفود الفرنسي الشاب كريم بنزيمة مع استمرار بقاء القائد راؤول جونزاليس والأرجنتيني جونزالو إيجواين، ليقرر الرحيل عن العاصمة الإسبانية بحثا عن دوري أخف تنافسية وأقل قسوة عليه. وتصادف أن حفل الوداع الحزين في آخر مبارياته مع الميرينجي بملعب سانتياجو برنابيو كان امام فريق مالاجا، الذي لم يكن يعرف أنه سيعود اليه في يوم من الايام. في ألمانيا كان استقبال الابطال في انتظاره بعد أن فضّل الانضمام لهامبورج رغم اغراءات المال في دول الخليج، وقد سجل له 17 هدفا في 47 مباراة على مدار موسمين، وقاده لنصف نهائي دوري أوروبا قبل أن يغادر البطولة على يد فولهام الإنجليزي. كان نيستلروي قاب قوسين أو أدنى من العودة لريال مدريد في شتاء 2011 على سبيل الإعارة بعد إصابة إيجواين الخطيرة بناء على طلب من جوزيه مورينيو، لكن النادي الألماني رفض التنازل عنه، ليضطر لاستعارة التوجولي إيمانويل أديبايور من مانشستر سيتي الإنجليزي. ولكن عودة هداف الطواحين البرتقالية الى إسبانيا جاءت عبر بوابة مالاجا مطلع موسم 2011-2012 ، ولكن لم يساهم نيستلروي بالكثير مع مالاجا في موسمه الوحيد، حيث لم يعتمد عليه المدرب التشيلي مانويل بيليجريني بصفة أساسية، ليكتفي بتسجيل أربعة اهداف فقط في 28 مباراة، وهنا أدرك الهداف الأسطوري اللحظة الفارقة لوداع جماهيره العاشقة. اما عن مشواره مع المنتخب الهولندي فلم يكن زاخرا بالانجازات، رغم تسجيله 33 هدفا في 64 مباراة، فقد شارك مرة وحيدة في كأس العالم بمونديال 2006 بألمانيا، وفيه سجل هدفا وحيدا في شباك كوت ديفوار، وبعدها بعام اعتزل دوليا لخلافه مع المدرب فان باستن قبل أن يعود مجددا بعد فترة وجيزة. مسيرة خالدة ستظل محفوظة بسجلات التاريخ، 346 هدفا هزت الشباك في 587 مباراة جعلت من اسم نيستلروي ماركة مسجلة في تاريخ اللعبة الشعبية الأولى، كما أنه صاحب نظرية الكاتشب حين قال :إن الصعوبة تكمن في الاهداف الأولى مع اي فريق، لكن بعدها يكون الأمر أشبه بتفجّر زجاجة الكاتشب.