يتصوّر بعضُ المفكرين والساسة، والكتّاب، والزملاء، والأصدقاء الأعزّاء أن رئيس مصر القادم، لكي يكون جديرًا بالمنصب لابد أن يصطدم ب"السلفيين"، ويعادي الإخوان"! والحق أن هؤلاء جميعًا معذورون، وقد رأوا من الفريقين "السياسيين" و"الدينيين" ما يجعلهم يكرهون الظرف الذي أتى بهؤلاء، وجعلهم في صدارة المشهد السياسي. لقد جاء أداء غالبية أعضاء الفريقين من الضعف، والجهل، والانتهازية، والنفعية، والتردد ما يجعل الكثيرين يخافون من يوم يحكم فيه هؤلاء! بل إن معدل الثورية، بل الوطنية بات عند البعض يُقاس بمدى قرب المرء ليس فقط من "السلفيين" و"الإخوان"، وإنما من الوسطية التي انتهكها هؤلاء، وعبثوا بها، وعملوا عملهم فيها فيما يشبه "الإسرائيليات"! شيئًا فشيئًا أصبح من اللازم عند أي حديث مع مجموعة من الشباب، أو حتى الكبار الذين ينافحون عن الثورة لآخر قطرة أن تبدأ بتوضيح موقفك من "الإخوان"، و"السلفيين"، وحتى من "الوسطيين".. فإن عذرتهم لجهلهم بألاعيب السياسة، فأنت تناور مثلهم على حساب الثورة.. وإن صببت غضبك عليهم فأنت معها.. مع الثورة! وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مرشحًا شعبيًّا وثوريًّا مثل عبدالمنعم أبوالفتوح ظل خيارًا مفضّلاً لكل الثوريين بمن فيهم العلمانيون، والثوريون، واليساريون، والمسيحيون طوال أيام الثورة وبعدها، حتى كان ما كان وزار الرجل مقرات السلفيين، والوسطيين، والإخوان! هنا فقط، ومن فرط النقمة على أداء هؤلاء، تزايدت موجات التخويف من أبو الفتوح "الرئيس".. وازداد الشك مع ظهور بيانات ومواقف تأييد رسمية للرجل من كافة الأحزاب الإسلامية، بما فيها حزب الوسط الذي آثر ترشيح أبوالفتوح على حساب مفكر الحزب محمد سليم العوا! في المقابل عمد المرشحون الآخرون لإظهار الكراهية للتيارات الإسلامية حدّ القطيعة، محذّرين من عبدالمنعم الذي "سيهادن" أولئك، و"يهادي" هؤلاء حال فوزه بالرئاسة! لقد ظل أبوالفتوح قبل وبعد الثورة يتحدّث عن الإسلام الوسطي الجميل، وعن المزاج الديني لشعب مصر بمن فيه الليبراليون، بل العلمانيون.. وقد وصل الإعجاب بطرحه المستنير حدّ إشادة الدكاترة الأسواني، وقنديل، وعيسى، وجورج بفكره، ونضجه، ومشروعه الوطني.. فلمّا كان ما كان من أخطاء السلفيين والإخوان، بدأت محاكم التفتيش خوفًا من "مهادنة"، و"مهاداة" أبوالفتوح، وهو منها -فيما أعتقد، ويعتقد كثيرون مثلي- براء! أعود فأقول: إن رئيس مصر القادم لا ينبغي أن يهادي السلفيين، والإخوان، لكنه أبدًا لا ينبغي أن يعادي أيَّ شريحة من شرائح الشعب! [email protected]