أسباب اقتصادية * لنبدأ من توقف صحيفة «أوان» الكويتية بعد عامين ونصف العام على انطلاقتها.. إلى أي شيء ترجع أسباب التوقف بوصفك كنت رئيس تحريرها؟ يعود التوقف بالدرجة الأولى إلى أسباب اقتصادية، وذلك نتاج مباشر لأزمة المال العالمية التي ألقت بظلال قاتمة على مجمل الصحف الورقية في الكويت وخارجها، فقد عانت الصحيفة بشدة خلال الأسابيع الأخيرة من الضعف الحاد في المردود الإعلاني، وقد انخفض إلى أكثر من 30% من مردود العام نفسه. وقد كتبت في مقالتي الافتتاحية الأخيرة في آخر عدد صدر من الصحيفة ويحمل الرقم 886، كتبت: بعد عامين ونصف العام تقريبًا تتوقف «أوان» عن النشر لأسباب اقتصادية قاهرة، حاولنا في الفترة السابقة أن نقدّم عملاً إعلاميًا مهنيًا ومتوازنًا لخدمة شعبنا ومصالحه، واليوم لا ضرر ولا ضرار. بالطبع في أثناء العمل اليومي المجهد تقع أخطاء، إلا أننا في فريق «أوان» حاولنا جاهدين أن تكون هذه الأخطاء محصورة ومعالجة وفي أقل ما يمكن، وقفة الوداع هذه للقراء الذين تابعونا كل هذه الفترة، فكانوا الشريحة الواسعة التي ارتكزنا عليها لتقديم خدمة إعلامية مهنية تتطلع من عدة زوايا للعمل الإعلامي الدقيق تفسيرًا لما يحيط بنا. ضد التأزيم * ما هي المكاسب التي حققتها هذه الصحيفة على قصر عمرها؟ في «أوان» تعرفنا على زملاء وزميلات، عملوا معنا بجهدهم وتفانيهم في كل هذه الأيام والشهور، مقدمين أفضل ما لديهم من خبرة ومهارة، كما تعرفنا على نخبة من كتاب الرأي سواء في الأعمدة أو صفحات الرأي. لقد سعدت في «أوان» بمعرفة أناس لهم القدر العالي من المهنية والصدقية، وتشرفت بالعمل معهم، ولعل دروب المستقبل تفتح لهم آفاقا أرحب وأوسع. إن صحيفة «أوان» قد رفضت منذ إطلالتها الأولى أن تبحث عما يحرك عواطف المتلقين، بل أصرت بأن تكرس صحافة مهنية ملتزمة الثوابت الإعلامية الرصينة، مهما كلف الأمر، وإن أثّر ذلك في المسيرة التسويقية لمضمون «أوان» إلا أنه حقق لها سمعة طيبة جدًّا في الوسطين الصحفيين الكويتي والعربي، وما كان يصلنا من إشادات واسعة حظيت بها «أوان» من أطراف إعلامية كويتية وعربية ودولية يؤكد أنها مارست الصحافة الصرفة التي لا علاقة لها بتداخل المصالح واشتباكها، كما أنها ابتعدت عن الضجيج والصوت العالي، وتضخيم الأزمات أملا ببيع نسخ إضافية، ولم تؤمن أساسًا بنهج التأزيم إعلاميًا وبرلمانيًا الذي آمنت به وسائل إعلامية أخرى كانت تحترف الإثارة، لكن يبدو أن قواعد السوق في شارع الصحافة لا تستوعب صحافة مهنية جادة. لقد عملنا على إصدار مطبوعة يعرف أهل الاختصاص أنها مهنية وموضوعية باحتراف كبير، إلا أن الله غالب على أمره. أداة مداواة وعلامات فارقة * لنعد إلى البدايات.. كيف تبلورت فكرة «أوان».. وما العلامات الفارقة التي حققتها؟ كانت فكرة صحيفة «أوان» تراودني منذ زمن طويل، وأنت كما تعرف كنت رئيس تحرير مجلة العربي لسنوات طويلة، ثم أصدرت في فترة الاحتلال العراقي للكويت صحيفة باسم «صوت الكويت»، وفي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أيضًا أصدرت مجموعة من الكتب والإصدارات، فأنا لست غريبًا على الصحافة وليست الصحافة غريبة عليَّ، إنما في الكويت بدأ تحت عهد سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مجموعة من القوانين الانفتاحية منها قانون الصحافة الجديد وهو قانون يتيح للمواطنين بأن يصدروا صحفًا تحت شروط محددة؛ وبالتالي تقدمت أنا ومجموعة من الزملاء الذين اعتقدوا أنه من الممكن أن نقدم شيئًا ربما مختلفًا عن الصحافة العامة، فأصدرنا «أوان» وكنا نعد لها خلال عام 2006 وصدرت في الثامن عشر من نوفمبر 2007، والفكرة العامة للصحيفة كما كتبت في افتتاحية الصحيفة في العدد الأول هي: أن نقدم ما أطلقت عليه المسؤولية الاجتماعية للصحافة، وهي مسؤولية كبيرة وأن الصحافة ليست أداة للتجريح إنما هي أداة للمداواة. ومن هذا المنطلق بدأنا نعمل بحيث أن نكون أخلاقيات عمل صحفي ملتزم. الخبر مقدس والرأي حر وشخصي دون أن يكون معاديًا لأشخاص محددين. وأعتقد أن هذا ما يحتاجه العقلاء في مجتمعاتنا اليوم. أما العلامات الفارقة التي حققتها، أولاً من خلال الشكل فقد كانت «أوان» مختلفة عن العديد من الصحف التقليدية، وبالتأكيد فالشكل جزء من المحتوى، وفي المحتوى أيضًا حاولنا أن نقدم عملاً مهنيًا عالي المستوى. كما عملنا في الصحيفة على تحقيق ما أسميته بالصحفي الشامل، وهو الصحفي الباحث، الذي يحاول أن يتعرف على المعلومة المسبقة عن أي موضوع يريد أن يقدمه للقارئ، فمثلاً عند إجراء الحوار الصحفي مع أي شخصية فهو يحاول أن يبحث عن المعلومات الكافية والشاملة عن هذه الشخصية، وكذلك هو صحفي متدرب بشكل جيد على استخدام جهاز الحاسب الآلي «اللابتوب» في المناسبات فيستطيع أن يكتب الخبر أو القصة الخبرية ويدفع بها مباشرة إلى الجريدة ليتم نشرها، وبهذا تجاوزنا في «أوان» كثيرا من الدوائر والحلقات التي يمكن أن تمر فيها المادة أو القصة من المحرر إلى وصولها للصحيفة، وهذه الفكرة بالمناسبة معتمدة في الديلي تلغراف، وكذلك البيئة العملية التي كانت موجودة في «أوان» كانت بيئة عملية متلفة وتسمى «أوبن نيوز روم» وهي عبارة عن قاعة كاملة مكونة من رئيس تحرير ورؤساء للأقسام ومحررين وفنيين. تكامل وليس تنافسا * في ضوء ما تقول.. هل تعتقد أن «أوان» صدرت في الوقت الخطأ في عصر الصحافة الإلكترونية؟ لدي وجهة نظر في علاقة الصحافة الورقية بالصحافة الإلكترونية، الثانية تتغذى من الأولى وليس العكس، كما أننا جميعًا نعرف أنه في عصر التلفزيون قيل إنه سوف يقضي على الإذاعة، أو إن العصر الإلكتروني سوف يقضي على استخدام الورق، كلها تعميمات لم تتبين صحتها، على العكس.. فمثلا زاد استهلاك الورق في عصر الصحافة الإلكترونية، وهكذا فإني لا أرى تنافسًا بين الاثنين بل تعاضدًا وتكاملاً، هناك أشياء تقدمها الصحافة الورقية لا تقدمها الصحافة الإلكترونية والعكس صحيح، و»أوان» حاولت أن تكون كذلك، وجزءًا من هذه المنظومة ولكن الظروف لم تساعدها. مشاريع إعلامية * ماذا في أجندتكم من مشاريع صحفية بعد «أوان»؟ لدينا صحيفة ستصدر قريبًا بالإنجليزية بعنوان «كويت ربيون»، وقد أخذنا ترخيصها، وبدأنا العمل فيها، كما لدينا خطة أيضًا لإنشاء قناة تلفزيونية، وهي أعمال متكاملة في المجال الإعلامي.. وكل هذه المشاريع الإعلامية استفدنا في إعدادها والتخطيط لها من تجارب عالمية إعلامية كثيرة؛ لأن التجربة العالمية اليوم أصبحت متاحة في ظل العولمة، ونحن إضافة إلى استفادتنا من تجارب العالم إلاّ أننا نطعمها بخبرتنا وتجاربنا وأيضًا نطعمها بما يسمّى بمتطلبات السوق المحلية، وهكذا نستطيع أن نصل إلى الأفضل من ناحية التقنية ومن ناحية الشكل، وربما الأفضل من ناحية خدمة الجمهور. خطة واضحة * وماذا عن الأمور الفنية الضرورية الأخرى من مطابع ومقر وكتّاب صحفيين وغير ذلك من المتطلبات؟ نحن نعمل في هذه الشبكة الإعلامية في مقر خاص بنا الآن، والتكنولوجيا أيضًا متوفرة، وقد قمنا بتدريب زملائنا والشباب على نظام هذه المطبوعات الإعلامية، كما أنشأنا أكاديمية «أوان» لتدريب الطلاب والشباب ولدينا مجموعات طلابية وشبابية تحت التدريب ومنهم من أنجز هذه المهمة وأصبح ممارسًا للعمل الإعلامي في مجاله الذي تخصص فيه، والعمل متكامل في ضوء خطة واضحة وبشكل علمي وحديث، وكل الخبرة الموجودة لدينا وظفناها لهذا العمل.. وفيما يتعلق بالكُتّاب فقد وظفت خبرتي وعلاقتي بالكُتّاب والمثقفين العرب والخليجيين؛ فلدينا كُتّاب من الكويت ومن السعودية ومن باقي دول الخليج ومن المغرب ومصر وموريتانيا، فلدينا كل هذه الشبكة الواسعة من الكُتّاب. حديث عبثي * وهل تعتمدون على تيار معين لدى الكُتّاب أم أنكم منفتحون على جميع التيارات؟ أنا قلت أن في هذا العصر لا يوجد احتكار للرأي؛ فهناك آراء مختلفة، ونحن نعتمد في كل مشاريعنا الإعلامية سواء كانت الصحفية أو التلفزيونية على الموضوعية العقلانية وهي أن تقول رأيك وتتيح للآخرين أن يقولوا آراءهم في الحدود المتفق عليها من المهنية، والحديث عن التيارات الفكرية في القرن الواحد والعشرين أعتقد أنه حديث عبثي.. لسبب مهم جدًا وهو - كما أقول دائمًا- أن لا أحد منا يحتكر الحقيقة، وبالتالي فنحن مستعدون كما كنا في «أوان» وكما سنكون في باقي مشاريعنا الإعلامية لأن ننفتح على جميع التيارات العقلانية التي تقدم شيئًا جديدًا للقارئ وتراكم الخبرة والمعرفة والمهارة لدى هذا القارئ. خبر مقدس.. رأي حر * كثير من المؤسسات الصحفية في العالم العربي تخلط بين الصحافة والرأي.. فكيف تتعاملون مع هذا الخلط؟ هذا الأمر محسوم لدينا؛ فالخبر كما هو معروف مقدس، والرأي حر، فعندما يكون هناك خبر فهذا الخبر مقدس بشروط الخبر المتعارف عليها أن يكون دقيقًا وأن يكون من أكثر من مصدر وأن تكون له مرجعية واضحة فهذا خبر وبالتالي يجب أن يحترم، أما الرأي موضوع آخر، ولذلك أشدد على أن كاتب الخبر لا يدخل رأيه حتى في التعظيم أو التحقير أو التبسيط وكل المحسنات اللفظية إنما يقول خبرًا، فمثلاً لو أن هناك تيارًا سياسيًا في مجلس الأمة افتتح له موقع، ويقول الخبر عنه أنه موقع يحتوي على كذا وكذا ويمثل وجهة نظر التيار الفلاني التي تقول بكذا وكذا، ولكن لا يستطيع أن يقول أنه هذا الموقع متميز ورائع وجذاب وغير ذلك فعندها يغدو هذا رأيا بعيدا عن الخبر،وهذا الأمر يحتاج إلى خبرة وإلى متابعة ومهارة متطورة بشكل دائم في التعامل مع الخبر والرأي كل على حده. وكنا قد استخدمنا «كراسة أسلوب» وزعت على الزملاء، و»كراسة مهنية» أيضًا، وفي الأولى تعني بالإستايل بوك والطريقة الصحيحة في كتابة الكلمات والجمل الشائعة في استخدام الصحافة، أما الكراسة الأخرى فإنها تُعنى بأخلاق الصحفي التي نتمنى أن يتمثلها الصحفي؛ فإذا عمل أحد أفراد المؤسسة أو الصحيفة حوارًا مع أحدهم ومن ثم قام بإعطائه هدية ما، فإنه على الصحفي أن يذهب إلى إدارة الجريدة ويخبرها بأن فلان أعطاه هذه الهدية، ومن ثم فإن إدارة الجريدة تأتي له بمثلها بالضبط، وتُعطى تلك الهدية لأفضل صحفي في الشهر. * وما الفرق بين الاثنين؟ الفرق هو في الشفافية بحيث لا يدخل الصحفي عاطفته مهما كانت ضعيفة في توجيه الخبر أو المقابلة أو الموضوع الصحفي. مؤسسة مميزة * كيف تقرأ سير مؤسسة الفكر العربي وأنت عضو مجلس إدارة منذ بدايتها؟ الحقيقة أن هذه المؤسسة التي يقوم برعايتها سمو الأمير خالد الفيصل ونحن محظوظون بأن يكون هناك وقت يقدم من قبل سمو الأمير لرعاية هذه المؤسسة المتميزة.. ونأمل بإذن الله أن تؤتي هذه المؤسسة ثمارها من النقاشات والاجتماعات التي تقدم طوال العام وعلى فترات متواصلة، وتتوج بمؤتمرها السنوي «فكر». عولمة مستمرة * بحكم عملك الإعلامي كيف تقرأ الإستراتيجية العربية لمواجهة العولمة؟ العولمة مطروحة؛ فنحن جزء من العولمة، وهي ليست جديدة، فكلما اكتشف الإنسان اكتشافًا كبيرًا وخطيرًا كلما أصبحنا في عولمة، فمثلاً قبل 400 عام عندما اخترعت المطبعة دخلنا في عولمة ما، وعندما اكتشف البخار لتسيير السفن والآلات دخلنا في عولمة أخرى. ثلاثة احتمالات * على أي وجه تقرأ «الربيع العربي»؟ لا يستطيع أحد اليوم أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث لمستقبل «الربيع العربي» كما يسمى، مازالت الزوابع كثيفة من حولنا، كما الاحتمالات. وإذا نظرنا إلى أبعد مما يجري، فنحن أمام ثلاث احتمالات، الأول والأقرب إلى قلبي وتمنياتي أن تتمخض كل هذه الأحداث عن دول عربية مدنية ديمقراطية يعلى فيها شأن القانون الوضعي ويكون الناس فيها متساوون. أما الاحتمال الثاني فقيام دولة «دينية» بشكل ما، مرجعيتها، مجتهد ما، قد يصيب وقد يخطئ. أما الاحتمال الثالث فهو قيام نظام أو نظم عسكرية في ثياب مدنية، أو خلط بين العسكرة والتدين على طريقة «ضياء الحق» في باكستان قبل ذلك.. التحرك الشعبي الذي تم حتى الآن هدم أو هو في طريقه أن يهدم الماضي، ولكن ما هي الفلسفة التي لا بد أن تحرك كل هذا التغير برأيي هو الأمر المطلوب. التصور للقادم مازال إما غير موجود أو مختلف عليه. معوقات كثيرة * برأيك ما المعوقات التنموية التي يواجهها المجال الثقافي عربيًا ودوليًا؟ الثقافة العربية تتخللها معوقات للتنمية، وهي مطروحة منذ زمن، بعضها كامن في مفهوم الحرية، ونوع التعليم، شكل ممارسة الديمقراطية، وهي مفردات ناقشها العرب منذ مطلع هذا القرن الماضي، ومازالوا يناقشونها دون الوصول إلى ما تطمح له نُخبهم من أهداف، مثلها مثل العمل في السياسة كلمات كبيرة وأفعال محدودة. ويفترض البعض أن افتقاد أو قل ضعف الحرية الأكاديمية والممارسة الديمقراطية في التعليم، أو ضعف الموارد المادية هو الذي جعل من هذا العربي غير محقق للطموحات وبالتالي زاد من التخلف الذي نشاهده في المجتمعات العربية، قد يكون ذلك صحيحًا، ولكنها صحة جزئية، إذ أن المسكوت عنه من العناصر وهي كثيرة لم يعالج كما يجب.