بدأت الحياة تصبح أكثر قابلية للاستمرار فيما يبدو بالنسبة للاجئين السوريين في كيليس، فلا توجد خيام في المخيم التركي بل آلاف من المقصورات البيضاء في صفوف لا نهاية لها، ومع كل قرميدة رمادية توضع على طول الطرقات التي تقطع بحراً من الحاويات التي تستخدم للسكنى تشعر تركية «زرزورة» أنها باتت أبعد ما يكون عن العودة لمنزلها على الجانب الآخر من الحدود. وتقول «زرزورة» وهي أم لستة أطفال فرت أسرتها منذ بداية إراقة الدماء في حملة الرئيس السوري بشار الأسد على الانتفاضة التي مضى عليها عام ضد حكمه «غادرنا منزلنا في جسر الشغور قبل 11 شهراً تقريباً واعتقد أنه لا يزال أمامنا وقت طويل قبل أن نعود مرة أخرى.» وحتى في الوقت الذي يناقش فيه الدبلوماسيون وقف إطلاق النار ونشر مراقبين لتهدئة الأوضاع في سوريا يعتقد القائمون على بناء كيليس أن مقام اللاجئين السوريين سيطول. ويجري بناء ثلاث مدارس صفراء كبيرة، ويوجد مسجدان بمنارتين زرقاوين وزجاج ملون عند طرفي المخيم. ويقول «صوفي أتان» وهو مسؤول بوزارة الخارجية التركية يشرف على مخيمات اللاجئين السورية «هذا ليس مخيما بل مدينة، الشهر المقبل سترون عالماً مختلفاً هنا مثل مدينة الأحلام.» وفي مكتب إداري جديد يعرض «أتان» لزوار جالسين على كراسٍ جلدية سوداء خريطة ملونة للمخيم المعد لاستقبال 12 ألفاً من نحو 25 ألف لاجئ في تركيا، ويشير بفخر إلى أن متجراً على غرار متاجر كارفور يجري بناؤه حيث سيبيع كل شيء من الخضر حتى الأحذية. وفي سوريا تلتزم قوات الأمن السورية والمعارضون تقريباً بوقف إطلاق النار الساري منذ 12 إبريل عن طريق اتفاق توسط فيه المبعوث الخاص كوفي عنان، وتبحث الأممالمتحدة الآن إرسال بعثة صغيرة لمراقبة الهدنة. لكن، «زرزورة» تقول: إنها ليست مقتنعة بشكل كاف لتغادر كيليس، وتساءلت وهي تقلي البطاطا (البطاطس) على موقد بجانب سريرها «من يثق في هذه الأمور؟ جيراننا أتوا قبل عشرة أيام وشاهدوا الصواريخ والموت. كل ما أريد أن أشغل نفسي به الآن هو كيف أجعل أسرة من ثمانية أفراد تعيش في غرفتين». وأضافت: «هذا ليس المنزل الذي أريده لكنني ربما أضطر للاستقرار هنا لوقت طويل، لن نرى منازلنا مرة أخرى إلى أن يسقط بشار الأسد». وقال «أتان»: إن تركيا أنفقت نحو 150 مليون دولار على مخيمات اللاجئين، وسيتكلف إنشاء مخيم كيليس 50 مليون دولار وسيتكلف مليونين آخرين لإدارته شهرياً. وتقبل تركيا الأن المعونات الدولية للمشاركة في التكاليف المرتفعة. وأضاف: «ينبغي لنا كحكومة تركية أن نكون مستعدين للسيناريو الأسوأ، لا نأمل أن يستمر هذا الصراع لفترة طويلة لكننا نريد أن نكون مستعدين لاستضافة أشقائنا القادمين من سوريا». وسيعمل نحو 500 موظف تركي في كيليس بينهم أفراد من الشرطة ومعلمون وأطباء، وستزود العيادة المطلية حديثا بأجهزة الأشعة السينية وغرف للعمليات، لكن بالنسبة للسوريين الذين يعيشون هنا فإن جدران الألومنيوم المرتفعة التي تحيط بالمخيم وتعلوها الأسلاك الشائكة وكذلك أبراج المراقبة تعد تذكرة صارخة بأنهم يفرون من كابوس.