بدأت الحياة تصبح اكثرقابلية للاستمرار فيما يبدو بالنسبة للاجئين السوريين في كيليس.. فلا توجد خيام في المخيم التركي بل آلاف من المقصورات البيضاء في صفوف لا نهاية لها. ومع كل قرميدة رمادية توضع على طول الطرقات التي تقطع بحرا من الحاويات التي تستخدم للسكنى تشعر تركية زرزورة أنها باتت أبعد ما تكون عن العودة لمنزلها على الجانب الآخر من الحدود. وتقول زرزورة وهي أم لستة أطفال فرت أسرتها منذ بداية إراقة الدماء "غادرنا منزلنا في جسر الشغور قبل 11 شهرا تقريبا وأعتقد أنه لا يزال أمامنا وقت طويل قبل أن نعود مرة أخرى". ويقول صوفي أتان وهو مسؤول بوزارة الخارجية التركية يشرف على مخيمات اللاجئين السورية "هذا ليس مخيما بل مدينة. الشهرالمقبل سترون عالما مختلفا هنا مثل مدينة الأحلام". وفي مكتب إداري جديد يعرض أتان لزوار جالسين على كراسي جلدية سوداء خريطة ملونة للمخيم المعد لاستقبال 12 ألفا من نحو 25 ألف لاجئ في تركيا. ويشير بفخر إلى أن متجرا على غرار متاجر كارفور يجري بناؤه حيث سيبيع كل شيء من الخضر حتى الأحذية. وتساءلت زرزورة وهي تقلي البطاطا على موقد بجانب سريرها "جيراننا أتوا قبل عشرة أيام وشاهدوا الصواريخ والموت. كل ما أريد ان أشغل نفسي به الآن هو كيف أجعل أسرة من ثمانية أفراد تعيش في غرفتين". وأضافت "هذا ليس المنزل الذي أريده لكنني ربما أضطر للاستقرار هنا لوقت طويل. لن نرى منازلنا مرة أخرى إلى أن يسقط بشار الأسد". وأضاف أتان "ينبغي لنا كحكومة تركية أن نكون مستعدين للسيناريو الأسوأ. لا نأمل أن يستمر هذا الصراع لفترة طويلة لكننا نريد أن نكون مستعدين لاستضافة أشقائنا القادمين من سورية". وسيعمل نحو 500 موظف تركي في كيليس بينهم أفراد من الشرطة ومعلمون وأطباء. وستزود العيادة المطلية حديثا بأجهزة الأشعة السينية وغرف للعمليات. لكن بالنسبة للسوريين الذين يعيشون هنا فإن جدران الألومنيوم المرتفعة التي تحيط بالمخيم وتعلوها الأسلاك الشائكة وكذلك أبراج المراقبة تعد تذكرة صارخة بأنهم يفرون من كابوس.ووصل محمود المصاب بشلل نصفي إلى كيليس بعد أن حملته أسرته لثلاثة أيام. واخترقت شظية عنقه عندما سقط صاروخ على منزله في محافظة إدلب في شمال البلاد. ويرقد شاحبا على الأرض بينما تجمع حوله والدته وشقيقاته السبع. وقال الصبي البالغ من العمر 15 عاما "أستطيع تحريك قدمي اليسرى قليلا. لا أعرف ماذا سيحدث بعد ذلك. قبل أشهر قليلة كنت احتج والآن أحاول ألا أشعر بالقلق من المستقبل". وأضاف "انظروا ما حدث لي هذا جرح كبير يذكرني بثمن الحرية. لن نعود إلى أن يرحل بشار". ويحاول السكان إضفاء الطابع الشخصي على منازلهم الجديدة. فكتب على جدار بأحد الشوارع "شارع قاهر الأسد" وسمي تقاطع حوله مجموعة من المنازل "بميدان الحرية". ومع وجود نحو تسعة آلاف ساكن يعيشون في كيليس لفترة طويلة بدأت تظهر وتيرة جديدة للحياة اليومية. فالنساء يقمن بإعداد العجين لصنع الخبزأمام الأبواب. وقام شبان بعمل متاجر مؤقتة من الأطر المعدنية للأسرة ذات الطابقين في الشارع وملأوها بالحلوى والسجائر. ويرقد مصطفى البالغ من العمر 25 عاما وهو ناشط من حماة على بساط خارج منزله ويعيد لف ضمادة على جرح في رجله. وهو راضٍ عن منزله الجديد في تركيا لكنه يقول إنه ليس حلما. وقال "يمكنهم أن يبنوا لنا قصرا لكننا لن ننسى أننا لاجئون. من الصعب أن نحلم هنا ووجودنا هنا يعني أن أحلامنا ميتة الآن".