التقاعد بالنسبة للموظف الحكومي مصير محتوم يصله في نهاية مطاف حياته الوظيفية، وهي مرحلة لا تستثني إلا «أولي الهمم» الذين لا يقاعدهم عن العمل إلا الموت بعد أن تعجز كل الأنظمة عن إزاحتهم عن أماكنهم والتصاقهم بكراسيهم. وبعض هؤلاء يشبه في استناده الى كرسيه،مع فارق التشبيه، سيدنا سليمان في استناده إلي منسأته، فهم موتى لكنهم لا يشعرون. إذ لا يستمتع مثل هؤلاء بالحياة كبقية البشر ولا يعرفون ماهم محرومون منه من نعم. *** لكني أعترف بأن ليس كل المتقاعدين سواء! فهناك فئة تجد نفسها في العراء بعد التقاعد لضعف رواتبهم التقاعدية من جهة .. ومعاناتهم في استخلاص حقوقهم ورواتبهم التقاعدية. وهذا ما عرفته من خلال رسالة وصلتني من أحد هؤلاء على بريدي الإليكتروني. حيث يخاطبني السيد حسني حامد بأن أكتب عن معاناتهم، باعتباري واحداً منهم. والمشكلة كما فهمتها هي تأخر موعد صرف رواتب المتقاعدين من موعدها المقرر وهو 15 من الشهر إلى الأيام الأخيرة من الشهر (25 وما بعده)، إضافة إلى الإزدحام الشديد في البنك. ويحكي صاحب الرسالة موقف أحد المتقاعدين من المسنين الذين لا يتعدى تقاعدهم 1500 ريال شهرياً وكيف أصبح يبكي لأنه لا يجد ما يُطعم به عياله نظرا لتأخر الراتب، ناهيك عن استحقاقات أجرة المنزل وغيرها .. ويستحثني القارئ الكريم على وضع هذه المعاناة أمام المسؤولين قائلاً: «الحمدلله والله يكون فى عون هؤلاء الناس الضعفاء .. إذا نحن رواتبنا عالية قليلآ ونعاني. فكيف هؤلاء ما ذنبهم. لذا لعل قلمك وأسلوبك الرائع يسطر شيئاً يريح قلوب المساكين والضعفاء . جعلك للخير ذخرا ومحبا للفئة الغالية الضعيفة الذين أفنوا زهرة شبابهم فى خدمة بلدهم» . *** يبقي القول بأن قصتي مع التقاعد ربما تكون مختلفة بعض الشىء حيث أنني أعتبر نفسي أنني تقاعدت «بالتقسيط»، وعلى مراحل متعددة. فبعد ما كنت أعمل في وزارة الإعلام بطاقة كامة، نُقلت إلى وزارة الخارجية حيث العمل يسير بطريقة مختلفة أشبه إلى التقاعد الجزئي! المهم أنني شرفت بعدها بالتعيين في مجلس الشوري حيث يمكن إعتبار العمل فيه، لمن أراد، تدريباً مسبقاً على التقاعد الكامل. أما العمل في السفارة فقصة أخرى؟! لذا لم أجد كثيرا من المعاناة مع التقاعد كتلك التي أسمع عنها مع المتقاعدين الذين يشبه بعضهم التقاعد بالموت المبكر، بل ويتفننون في تجزئة كلمة التقاعد إلى «مت .. قاعد»؟! وهي نظرة تحيل الحياة الوظيفة إلى حياة كاملة إذا انتهى إتصال الشخص بالوظيفة أنتهت صلته بالحياة. نافذة صغيرة: [وجدت دراسة جديدة أن التقاعد المبكر مفيد على الأقل للصحة العقلية .. وظهر انخفاض كبير في معدلات التعب الذهني والجسدي أيضاً بعد التقاعد، كما تبين تراجع أعراض الاكتئاب. لكن الدراسة لم تجد أية فائدة في ما يتعلق بالصحة البدنية. المجلة الطبية البريطانية