أن تكون قارئًا جيدًا للشعر، يدرك ماهيته/ معناه، ومقوماته ومسؤولياته، وشروطه التي يوجد عبر تحققها، ويعدم وجوده في عدمها، فإنك حتمًا ستكون واعيًا لمسألة عدم شفاعة المشاعر ونوعية القضية للا شعر في القصيدة، بمعنى أن المشاعر الصادقة والقضية النبيلة لا يعني وجودها كقضية للقصيدة وجود الشعر تبعًا لها، فالشعر لا علاقة له بالقضية أو الشعور كشفعاء له، وإنما هو الشفيع لهما في وجوده للتكامل ما بين جودة الشعر وصدق المشاعر ونبلها، وبذلك فإن القصيدة الرديئة شعريًا لا تشفع لرداءتها نبل قضيتها، ولا تغطي المشاعر الراقية والصادقة التي تعبر عنها عيوبها الفنية. ومن هنا فإننا إن احترمنا الشعور والقضية فيها، فإننا لسنا ملزمين بقبولها كشعر تبعًا لذلك الاحترام، وهذا ما يفترض أن يدركه كثير ممن يقدمون قصائد مكررة الاستخدامات من مئات الشعراء قبلهم ومعادة النهج آلاف المرات، ولو كانوا شعراء حقًا لأدركوا، لكنهم باستمرار نهجهم يؤكدون عدم إمكانية إدراكهم ومن ثم عدمية شاعريتهم المزعومة عبر نظمهم، كلما ظل يدور فيما يشبه الحلقة المفرغة من الكلام المكرر أدنى من الشعر. ولو بحثنا في أكثر القضايا والمشاعر التي تقدمها قصائد رديئة فنيًا، فإننا نجد الأولى غالبًا في ما له علاقة بالوطن والهوية والقومية العربية والإسلامية، كقصائد المناسبات الوطنية، وحب الوطن والتغني به وبأمجاده، والاحتفال بأفراحه والبكاء بأتراحه، وكذلك ما له علاقة بالعالم العربي والإسلامي، كالكثير من القصائد الجامدة التي تموت بمطولاتها وتذهب للنسيان سريعًا، فلم تشفع لها قضيتها لتبقيها حية وهي بلا حياة شعرية. لكننا في المقابل نجد قلة من القصائد التي تحمل هذا النوع من القضايا والمضامين وتعيش طويلاً، والسر الوحيد في ذلك يعود لكيمياء الشعر فيها والذي تضامن مع صدق الشعور فأبقى القصيدة حية في الوجدان الإنساني الذي ظل يعمل على تناقلها وزيادة عمرها بعيدًا عن النسيان. وأفكر بأنه قد يتبادر إلى الأذهان سؤال مفاده: هل يمكن للشعور القبيح، كالعدائية في الهجاء، أن يوجد شعرًا جميلاً؟ والإجابة على ذلك تتطلب استحضار هجائيات المبدعين كالمتنبي وقد كانت موهبته من البراعة المقتدرة بمكان إنبات الشعر في قفار المشاعر المتيبسة! وهنا – وبعود على ذي بدء – فإنه يجدر بالشاعر أن يرفع شعوره الجميل الذي يستحق منه العناية إلى مصاف غيمات القوافي الممطرة شعرًا، وبذلك يعتني شعره بشعوره ويكون بمثابة ما يحيي الأرض ولا يذهب جفاء. --------------- [email protected]