بقدر سمو المرء يكثر حساده، وبقدر انتصارات الأمة وارتفاعها يكثر الحانقون عليها والمشهّرون بها، فما بالك بالدولة العثمانية التي «امتدت فتوحاتها إلى ثلاث قارات، هى: آسيا وأوروبا وإفريقيا، وغدت دولة آسيوية أوروبية إفريقية.. ومضت فى زحفها تكتسح أقاليم مسيحية أوروبية، واستولت على بلاد اليونان بما فيها شبه جزيرة المورة، وبلغاريا، ورومانيا، والصرب، والمجر، وترنسلفانيا، والبوسنة والهرسك، وألبانيا، والجبل الأسود. ومضت جيوشها في زحفها حتى بلغت مشارف فيينا عاصمة النمسا في أواسط أوروبا؛ فكانت الدولة العثمانية هي أول دولة إسلامية في التاريخ الأوروبي تصل بقواتها الجرارة إلى هذه الأراضي الأوروبية. وكان الوجود الإسلامي العثماني: العسكري والسياسي في هذه الأقاليم الأوروبيّة حقيقة واقعة لا مراء فيها. وقامت الدولة بدور هام في نشر الإسلام في أصقاع شتى من هذه الأقاليم «(1). فإذا كان هذا هو الواقع؛ فكيف لا تتعرض دولة ٌ إسلامية ٌ هذه هى حقيقتها للكثير من حملات التّشهير بها، والكيد لها، ومحاولة النيل منها ؟! فلا غرابة إذًا في أن يسهم «في هذه الحملات رجالُ الحُكمِ والسياسةِ والدين، والمؤرخون والباحثون، وغيرهم في أوروبا( 2)»، ولكن الغريب بحق أن يقتفي أثَرَهم بعضُ المؤرخين العرب، ويردّدوا قولهم «بحيث استقرت في أذهان الكثيرين مفاهيم خاطئة عن الدولة( 3)». وما يهمنا هنا من هذه المفاهيم الخاطئة؛ ما يُشيعه بعضُهم عن الأدب العثماني بعامّة والشعر منه بصفة خاصة؛ كقول جرجي زيدان( 4): «أما الآداب العربية على الإجمال فأصبحت في أحّط أدوارها.. (وقد) أصاب الشعر ما أصاب سائر الآداب العربية في هذا العصر، فاستولى الجمود على القرائح..». وكقول فيليب حتى(5): «كان هذا العصر من الوجهة الثقافية عصر جمود وعقم..». سياسة الدولة العثمانية تجاه الولايات المفتوحة: لا ريب أن المؤرخ المنصف الخبير بتاريخ الدولة العثمانية؛ وبخاصة سياستها تجاه الولايات الأوروبية والولايات الإسلامية التي فرضت الدولة العثمانية أجنحتها عليها - يستطيع أن يدرأ هذه التهمة وغيرها بهذه الأدلة القاطعة- إذ إن من أبرز سمات هذه السياسة؛ عدم (عثمنة) الشعوب التي استولت عليها، ودانت لحكمها، لعدة عوامل؛ من أهمها: الاستعلاء الذي يُعدّ سمة من أبرز السمات في الخلق العثماني، يستوي فيه السلاطين والأتراك العثمانيون، «كشعب نظر إلى الحرب على أنها مهمته الأولى، ونظر إلى أصوله الجنسية الأولى على أنها أنقى وأرقى من الأصول الجنسية للشعوب الأخرى؛ فكان حفيظًا على هذه الأصول.. ونظر إلى الشعوب الأوروبية المسيحية نظرة ازدراء، ونظر إلى الشعوب الإسلامية نظرة استعلاء.. وكان عدم نشر اللغة التركية بين هذه الشعوب هو الحصيلة النهائية للاستعلاء والازدراء.. فظّلت الشعوب الأوروبية التي خضعت للعثمانيين محافظة على لغاتها وثقافتها، وعاداتها وتقاليدها، ودياناتها فى الأعم الأغلب، وغير ذلك من مقومات حضاراتها. ومن هنا كان الأثر الحضاري للعثمانيين في تلك الشعوب الأوروبية قليلا للغاية. ومن هنا أيضًا كانت الشعوب الأوروبية لا تدين لهم ثقافيا أو حضاريا(6)». وقد انتهجت الدولة العثمانية السياسة نفسها في الولايات الإسلامية»، فقد حال هذا الاستعلاء الذي تعددت مظاهره دون قيام تقارب بين الحكام والمحكومين.. وقنعت الدولة بالجزية السنوية تُرسل إليها من كل ولاية ما عدا إقليم الحجاز وبذكر اسم السلطان مقرونًا بالدعاء له على منابر المساجد في خطب أيام الجمع والأعياد؛ وبالعملة تضرب باسمه؛ وبوالٍ عثماني نائبًا عن السلطان في كل ولاية، وهو يحمل رتبة الباشوية أو البكوية.. وبقوة عسكرية عثمانية ترابط في البلاد، ويطلق عليها أهلُ الولاية اسم «الحامية العثمانية» وكان حصاد هذه السياسة أن احتفظت الشعوب الإسلامية، وهي في ظل الحكم العثماني بلغاتها وثقافتها، وعاداتها وتقاليدها، وغيرها من عناصر حضارتها. وكان من أهم المقومات التي استندت إليها القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر(7)». فإذا كان من حصاد الحكم العثماني -في نظر هؤلاء المتحاملين- ضعف الشعر العربى وانحداره، فلم لا ينسحب هذا الحكم على الأدب الأوروبي بعامة والشعر منه بخاصة في تلك الفترة، ما دامت سياسة العثمانيين واحدة على كل الشعوب التى دانت لها؟! موقف المنصفين من القدماء والمحدثين: إذا كنا نرى بعض المؤرخين العرب قد اقتفوا أثر هؤلاء الموتورين من الأوروبيين فبين أيدينا طائفة من المؤرخين والباحثين العرب من القدماء والمحدثين يرون أن الأدب في ذلك العصر لا يخلو من حيوية وجودة وأصالة طبع، ويؤمنون بأن تأخر العثمانيين في الزمان لا ينافي تقدمهم في الإحسان(8). فهاهوذا الأديب الشاعر العثماني أحمد بن أحمد المكني بالعناياتي، المتوفى سنة 1014 ه على سبيل المثال نراه فى مرآة القدماء شاعرا مجيدًا؛ حيث يقول عنه الحسن البوريني، المتوفى سنة 1024 ه(9): «هو أديب الزمان وشاعر العصر والأوان.. لم يكن له في الأدب من نظير، بل شعره الروض النضير.. وكان يدخل في جميع طرق الشعر..». أما المنصفون في الحكم على الأدب العثماني من المحدثين، فمنهم المرحوم الدكتور شوقي ضيف الذي يشيد بشعر المديح في ذلك العصر بقوله في ترجمته لعبدالله الشبراوي المتوفى سنة 1171 ه(10): «وواضح أن صياغة الشبراوي جيدة. وفي شعره وشعر أمثاله من المعاصرين له ما يدل على أن الشعر كانت لا تزال فيه بقية من حيوية وحياة». وفي حديثه عن شعر الغزل في ذلك العصر يقول (11): «ونمضي في قراءة هذا الغزل الوجداني الملتاع. حتى إذا أظل لواء العثمانيين البلاد أخذ يفيض معينه في القلوب والنفوس، وخاصة عند نور الدين علي العسيلي..»، الذي يكوِّن مع خرِّيجه وتلميذه يحيى الأصيلي، والشاعر يوسف المغربى تلميذ يحيى؛ «مدرسة في الغزل زمن العثمانيين كانت تمتاز بدقة الحسّ ورهافة الشعور». إلى غير ذلك من آرائه النقدية فى شعر شعراء ذلك العصر(12). هذا، ومن النقاد المحدثين أيضًا: الدكتور بكري شيخ أمين الذي تضارب رأيه بين الطعن والإنصَاف؛ فبينما نراه يحدث عن انحدار الشعر في ذلك العصر(13)؛ إذ بنا نفاجأ بقوله (14): «وأبناء العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني من الشعراء كأسلافهم من الشعراء لم يقصِّروا أو يبخلوا في شعر الوصف؛ بل ربما كانوا أكثر غزارة، وأشدَّ فيضًا فيه من السابقين. إنهم لم يتركوا شيئًا إلا وصفوه، وافتنوا في وصفه، بل كادوا يبزّون الأقدمين في أوصافهم». كما يقول في موطن آخر(15): «والخلاصة: لم يخل فنّ الوصف في هذا العصر من الابتكار والتجديد، رغم أن أبناءه لم يقطعوا أسباب اتصالهم بالوصف القديم التقليدي. وقد بدت في شعر أبناء هذه الفترة ملامح ابتداع، لم تقتصر على هذا الفن وحده؛ وإنما كانت موزّعة على الفنون الأخرى، وربما كانت في الوصف أتم نضجًا، وأوفى جلاء، وأدعى إلى الإعجاب والتقدير». إلى غير ذلك من النقاد المحدثين.(16) عوامل ازدهار الشعر العثماني: هذا، على أن الكثير من أسباب قوة الشعر العربى وازدهاره في العصور السابقة قد توفر للشعر في العصر العثماني. ومن أهم هذه الأسباب ما يأتي: 1 رعاية الكثير من سلاطين الدولة العثمانية وأمرائها وحكامها للعلماء والأدباء، وإجزال المنح والعطايا لهم؛ مّما يدفعهم إلى القول والتفنّن فيه. ولا غرابة فإن اللُّها تفتح اللَّها». فها هو ذا السلطان سليمان بن سليم المتوفى سنة 974 ه والذي بلغت الدولة في عهده أوج عظمتها وقوتها واتساعها قد تميز عصره «ببروز عدد كبير من المؤرخين والشعراء والكتّاب ورجال القانون ورجال العلم، خاصة أنه كان يرعى الآداب(17)». وذاك هو «إبراهيم بن عبدالقادر.. الأمير بن الأمير، الشهير بابن منجك، كان جوادًا كريما يضرب به المثل في الجود والعطاء.. وكان يحب العلماء، ويتواضع لهم..(18)». أمّا الأمير محمد بن علي السيفي فهو أحد أمراء بني سيْفَا، الذين يُطريهم المحبي بقوله (18): «كان هؤلاء القوم في هذا العصر كبني برمك في عصرهم فضلا وكرما ونُبْلا.. وهم مقصد كل شاعر ومورد كل مادح، ومدحهم شعراء كثيرون قصدوهم، وكانوا يعطون أعظم الجوائز. وكان الأمير محمد بينهم كالفضل في بني برمك. وكان من أهل الأدب الظاهر والفضل السامي، أديبًا فاضلا بليغا..». 2 مواهب الحكام وميولهم، فقد تحلّى الكثير من سلاطين الدولة العثمانية وأمرائها ومواليها من الأتراك بالمواهب الأدبية والخُلقية العلمية؛ فالسلطان مراد خان الثالث المتوفى سنة 1003 ه « كان له اشتغال ومشاركة ببعض العلوم، وله شعر بليغ بالعربية والفارسية والتركية(19)». وكان فطنًا لبيبًا وشاعرًا مجيدًا(20). أما السلطان أحمد الأول فإنه كان ينظم الشعر العربي الجيّد، ومما نسب إليه منه القصيدة التي مطلعها: ظبىٌ يصولُ ولا ُوصولَ إليه جرح الفؤادَ بصارمَىْ لحَْظيْه إلى أن يقول: يا شعر في بصرى ولا فى خده إنّى أغارُ من النسيم عليه(21) وهذا هو الأمير مصطفى بن السلطان سليم القانوني والي بلاد القرمان والمقتول سنة 960 ه كان «شجاعًا، شاعرًا، محبًا للعلم والعلماء، أديبًا؛ ولهذا حزن الناس لموته، ورثاه كثير من الشعراء(22)». وغير هؤلاء كثير(23).. 3 كثرة الحروب الخارجية والثورات الداخلية في ذلك العصر(24). ولاريب في أن الشعر تنطلق شياطينه، وتضرم نيرانه في جو المعارك والمنازعات؛ ومن ثم استبعد النقاد الخيرية من ميدان الحكم في تقييم الشعراء» ولعلهم رأوا منزع الشر أقرب إلى طبيعة الشعر، أو أنه على الأقل مما يحسن به الشعر(25)». هذا، ويعلق د. بكري شيخ أمين على كثرة الحروب في ذلك العصر؛ مبينًا أثرها في الحركة الأدبية فيقول (26): «..فهذه الأحداث الرهيبة والحروب المتوالية والقتال المستمر.. أثرت في الحركة الأدبية، ودفعت أرباب الفكر والقلم، وأسياد النثر والشعر إلى أن يصوروا هذه الأحداث بالصورة التي يستطيعون، فكثرت المؤلفات، وتدفقت الكتابات، واستفاضت الأشعار ضاحكة أو باكية، مادحة أو هاجية، آملة أو قانطة، ثائرة أو خانعة. وما هي في واقعها إلا انعكاس لهذه الأحداث والاضطرابات». 4 في نقد الشعر إثارة للشعراء، ودفع لهم إلى أن يعمقوا تجاربهم، ويعاودوا النظر فيما ينظمونه قبل نشره؛ حتى يرضوا الذوق الفني. وقد شاع في العصر العثماني هذا الاتجاه النقدي، يتضح هذا من إشارة المحبي إلى تلك الخصومة بين العناياتي ومحمد الصالحي الهلالي، بقوله (27): «كنت يومًا مارًا في بعض أزقة دمشق فصادفته أي العناياتي يقول لي: هل سمعت بالخراع الذي أبداه محمد الصالحي؟ فقلت: إلام تشير وعلى أي كلامه تبدي النكير؟ فقال: إنه يقول في مطلع مرثيته لشيخك العلامة العماد الحنفي الدمشقي رحمه الله تعالى: لم أقْض من يوم الفراق شؤوني فقضيتُ إن لم أُجر ماء شؤوني قال: أنظر إلى عدم المرابطة بين المصراعين، وأي مناسبة بين الجزأين؟. هذا مع كونه مأخوذًا من مهذب الدين الموصلي أخذًا شنيعًا، سرقه وكساه لباسا فظيعا، لا وشيا بديعا، ولا زهرا أظهره الزمان ربيعا. فقلت: كيف قال المهذب في نظمه المهذب؟. فأنشدني له مطلع قصيدة.. وذلك قوله رحمه الله تعالى: أعلمتَ حقَّاً أن ماء شئوني سببٌ يدلُّ على خَفىِّ شُئوني قال: حشفا وسوء كيلة، إنها خطة سوء في أسوأ قبيلة. وأنكر عليه كثيرًا من معانيه، وغلطه في شيء من مستهجن مبانيه..». إلى غير ذلك مما يؤكد ذلك الاتجاه(28). 5 لم يخل ذلك العصر من المجالس الأدبية والمطارحات والمناظرات الشعرية؛ فهاهو ذا الحسن البوريني يؤكد هذا في حديثه عن الشاعر أحمد العناياتي، فيقول(29): «كان ابتداء اجتماعى به في سنة ست وثمانين وتسعمائة بصالحية دمشق ليلا في زاوية اسمها الداوودية؛ وصورة ذلك أني كنت مع جماعة من الفضلاء الأعيان في الزاوية المذكورة، وكان لنا مذاكرة فيما يتعلق بشعر الشيخ الأستاذ سيدي عمر بن الفارض رضى الله عنه وحميت نار المذاكرة، والتحمت جمعية المحاورة.. كتب إليّ وكتبت إليه، ومدحني ومدحته، وناظرني وناظرته..». هذا، كما يشيد البوريني بابن المنلا فيقول(30): «نشأ فاضلًا بارعًا، حافظًا جامعًا، جال في ميدان العربية ففاز بقصبات السبق وتناظر مع أبناء الأدب فما منهم إلا من سلم له بالسيادة وله استرق.. في العلم علامة، وفي الفهم فهامة.. وله من النظم ما يسحر الألباب، ومن النثر ما لا يغلق معه كتاب». ويشير المحبي إلى الأمير محمد بن علي السيفي، فيقول(31): «واختص به جماعة من الشعراء كحسين بن الجزري الحلبي، وسرور بن سنبن، وكان يقع بينهما محاورات بحضرته..». إلى غير ذلك من الشواهد على شيوع هذه الظاهرة. ولعل في مؤلَّف الطالوي المتوفى سنة 1014 ه الموسوم ب «سانحات دمى القصر في مطارحات بني العصر)، وغيره من كتب التراجم والأدب الخاصة بالدولة العثمانية ما يغني عن الإطالة. بل إن ما يحتويه كتاب الصالحي الهلالي (سوانح الأفكار) (32) - متنا وحاشية يعد من أقوى الأدلة على توفر العوامل الداعية للاعتزاز باللغة العربية والحفاظ عليها، والنسج على منوالها، والتأليف والتصنيف بها بأقلام العثمانيين ومواليهم من الأتراك. إذًا من الضير بمكان أن يكتنف الأدبَ العثمانىَّ كله هذا الحكمُ العامُّ الذي يسمه بالضعف والانحدار؛ استنادًا على أن العثمانيين أتراك؛ وأن لغتهم هي السائدة. أما أن العثمانيين أتراك مع أن الكثير منهم يجيد العربية وينسج على منوالها على ذكرنا فليس هذا بمانع من نهضة الحياتين الثقافية والأدبية في الولايات الإسلامية التي دانت للدولة العثمانية. ومرجعنا في هذا الحكم إلى التاريخ نفسه؛ فقد حكم الأتراك حكما مطلقا دون رقيب أو عتيد وعاثوا في الأرض فسادًا في العصر العباسي الثاني (من: 232: 334 ه) (33). ومع هذا الفساد والتردي اللذين هوت فيهما تلك الفترة من الناحية السياسية؛ فإن الحياة الثقافية والأدبية في القرنين الثالث والرابع الهجريين؛ لم تهن، ولم تضعف، بل سمت إلى أوج عظمتها، وكان من ثمارها هؤلاء الأعلام العظام من العلماء والكتّاب والشعراء الذين تُزهي بهم أمتنا العربية إلى اليوم؛ بما خلّفوه من تراث كل في مجال تخصصه أثرى المكتبة العربية، وأسهم إسهامًا كبيرًا في بناء الحضارة الأوروبية. وأما حجتهم بأن اللغة التركية كانت هي السائدة؛ فحكم يجبه التاريخ؛ إذ إن اللغة التركية قد انكمشت في مصر وفي غيرها من الولايات الإسلامية، فلم تكن تُستخدم إلا في دواوين الحكومة وكانت قليلة العدد ولا يتحدث بها إلا الأتراك العثمانيون فيما بينهم وكانوا قلة بالنسة لتعداد السكان-. وكانت السلطات العثمانية تعمد إلى ترجمة الفرمانات الهامة والأوامر الحكومية إلى اللغة العربية، وتتلى في المساجد الكبرى، وفي الأسواق، والقياسر، وغيرها من أماكن التجمعات الجماهيرية، أو يطوف بها المشاعيلية كرجال إعلام(34)». هذا، ويوضح أحد الباحثين(35) تحت عنوان: «اللغة العربية في دولة الترك العثمانيين» تعليقًا على رسالة «التنبيه» لابن كمال باشا المتوفى سنة 940 ه هذا الأمر بدقة في قوله: «لا يخفى أن علماء الترك في الدولة العثمانية، قبل عصرها الأخير، كانوا كسائر علماء الدولة التركية التي قامت في العصور الإسلامية الأولى يدرسون اللغة العربية، ويتكلمون بها، ويضعون فيها المصنفات النفيسة في العلوم المختلفة.. ولم تضعف عناية علماء الترك باللغة العربية ويُضيِّعوا ملكة التكلم بها والمقدرة على التصنيف فيه إلا بعد أن زاحمتها اللغة التركية في العصر الأخير الذي قام على رأسه السلطان محمود الثاني وابنه السلطان عبدالمجيد الأول واضع «التنظيمات الخيرية». وكان من آثار ذلك تنشيط اللغة التركية، وتقريب قواعدها، وتسميتها «اللغة العثمانية»، وبذلك تضاءلت اللغة العربية، وأهمل التصنيف فيها..». وبعد، فالذي ترتاح إليه النفس، ويرضي الحق والحقيقة، أن الأدب في العصر العثماني كغيره من العصور فيه الغث، وفيه السمين؛ ولا غرابة في هذا التصنيف فقد قسّم ابن سلام الجمحي المتوفى سنة 231 ه الشعراء الجاهليين عشر طبقات، كما وضع الشعراء الإسلاميين في طبقات عشر أيضا، في مؤلفه «طبقات فحول الشعراء». الحواشي: 1- (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها: 1/ 9) وانظر المرجع نفسه ص 51 – 52. وانظر كذلك :تاريخ التمدين الإسلامي، جرجي زيدان: (4/246-247). 2- الدولة العثمانية دولة إسلامية: 2/ 689). 3- السابق نفس الصفحة. 4- (تاريخ آداب اللغة العربية: 3/ 291: 293). 5- (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين: 2/ 320). وانظر أيضًا (تاريخ العرب- مطّول/ 842- 843) له ولزميليه. وانظر كذلك (مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني: 93- 94، 149). 6- (الدولة العثمانية دولة إسلامية: 1/ 321: 323). 7- (المرجع السابق: 1 / 325: 327). 8- (سلافة العصر/ 7). 9- (تراجم الأعيان من أبناء الزمان: 1 / 92). وانظر كذلك: شهاب الدين الخفاجي (المتوفى سنة 1096) في ريحانة الألبا (1/17). والمحبي المتوفى سنة 1111ه في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 1/166). 10- (عصر الدول والإمارات: مصر والشام/ 219). 11- (السابق/ 270، 297). 12- أنظر حكمه النقدي في: شعر الأمير منجك في ص/ 646 من (عصر الدول) وشعر حسين الجزري الحلبي المتوفى سنة 1034 ه؛ في ص/ 667 من المرجع نفسه. وشعر محمد الحشري المتوفى سنة 1092 ه؛ في ص/ 697 من المرجع نفسه. وانظر تقييمه لشعر ابن النقيب، شاعر الطبيعة في ص/ 754 755. 13- (مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني ص/ 95). 14- السابق/ 153. 15- السابق/ 160- 161. 16- أنظر الناقد الدقيق نعيم الحمصيفي كتابه: (نحو فهم جديد منصف لأدب الدول المتتابعة وتاريخه: 2/109، 125). 17- (في أصول التاريخ العثماني/101 – 102). وانظر كذلك (حقائق الأخبار عن دول البحار:1 /555). 18- (الكواكب السائرة: 3/ 88). 19- (خلاصة الأثر: 4/ 47). وانظر (الأعلام للزركلي: 6/ 293). 20- (حقائق الأخبار: 1/ 568). 21- (تاريخ الدولة العلية العثمانية/ 266). 22- (مجلة المجمع العلمي العربي مجلد/ 6 ح 5/ 218). 23- (حقائق الأخبار: 1/ 550). وانظر كذلك (تاريخ الدولة العلية العثمانية/ 247). 24- كعلاء الدين المشهور بحناويزاده المتوفي سنة 997ه، وابن الأعوج أمير حماة المتوفى سنة 1019ه، وابن القاف الرومي، المتوفى سنة 1020ه وغيرهم. 25- أنظر (تاريخ الدولة العلية العثمانية: 237: 270). وأنظر كذلك (حقائق الأخبار:1/567 وما بعدها). 26- (الأسس الجمالية في النقد الأدبي/ 185). 27- (مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني/41). 28- (تراجم الأعيان: 1/ 94- 95). 29- أنظر: (ريحانة الألبا: 1/ 19- 20). وخلاصة الأثر (1/363). 30- (تراجم الأعيان: 1/ 96- 97). 31- السابق 1 / 180: 185. 32- (خلاصة الأثر: 4 / 47). 33- وفقنا الله لتحقيق هذا الكتاب، وسيصدر قريبًا عن (الهيئة المصرية العامة للكتاب). 34- أنظر: (محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية- الدولة العباسية/ 269، 295- 296، 380. 35- (الدولة العثمانية دولة إسلامية: 1/ 326). 36- المغربي. (مجلة المجمع العلمي العربي المجلد/ 6 ح 5/ ص/ 217 وما بعدها). * أستاذ الأدب العربي القديم بكلية الألسن - السودان