** ختمت المقالة السابقة عن الشاعر المكي عبدالواحد الأشرم 1378- 1311ه ومجاييله بالقول إنه لهؤلاء الشعراء دور هام في تهيئة المسرح الشعري أمام شعراء التجديد في بيئة مكةالمكرمة وما جاورها في العصر الحديث من أمثال محمد عمر عرب، ومحمد حسن عواد، وحمزة شحاتة، وحسين سرحان، وحسين عرب، ومحمد حسن فقي، وعبدالوهاب آشي، وسواهم. [الأربعاء 16 محرم 1432ه / 27 ديسمبر 2010م]. ** وأعود مجددًا لشخصية الأشرم الذي استشهد الابن المبدع مسفر الغامدي ببيت شعري له في خاتمة مقال له عن أحد الأعمال الروائية لرجاء عالم التي كانت بيئة مكةالمكرمة بكل زخمها وحيويتها وتنوعها الثقافي والشعبي مسرحًا لها ولغيرها من أعمالها الروائية المعروفة، وكان البيت الذي لم يكن في وارد شاعرنا البحث عن قائله هو: على جيدِ هذا الظّبي فليُنْظم الدّرُّ وإلا فما للدُّر قَدْرٌ ولا فَخْرُ ** والبيت جزء من قصيدة كان يتغنى بها المنشدون على طريقتهم في تلك الحقبة وما بعدها مع أن المرداد الذي يعتبر مصدرًا رئيسًا لشعر الأشرم لم يذكره في ثنايا الترجمة التي خصه بها في كتابه المعروف. [انظر: المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، مطبوعات نادي الطائف الأدبي بتحقيق محمد سعيد العامودي وأحمد علي ط1، 1398ه - 1978م ص 285 - 287]. ** ولم يورد المؤرخ المكي عبدالستار الدهلوي شيئًا من شعره في كتابه الذي أخرجه محققًا فضيلة الشيخ عبدالملك بن دهيش والموسوم “فيض الملك الوهابي المتعالي بأنباء أوائل القرن الثالث عشر والتوالي” ج/ 1122 - 1223”. ** كما أن الباحث عبدالله المعلمي اكتفى بإيراد ترجمة موجزة له. [انظر: أعلام المكيين من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر الهجري جمع وتصنيف عبدالله بن عبدالرحمن المعلمي مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ط 1 1421ه - 2000م ص: 352 - 353]. ** إلا أن الناقد الراحل عبدالرحيم أبوبكر أشار إلى ما ذكره الأستاذ العامودي عن البيت الشعري الجميل الذي اكتفى الناس بالاستمتاع بسماعه منشدًا من قِبل أصحاب الأصوات الندية، وأضاف أبوبكر معلومة نقدية هامة حيث يقول: وأنا أرى في هذا النص اتجاهًا تقليديًّا منه فهو في نظري -أي الأشرم- يحاول أن يعارض بقصيدته هذه رائية أبي تمام المشهورة وإن اختلف مضمون كل من القصيدتين، وقد رأينا كيف أن البرادة أستاذ الأشرم عارض رائية أبي تمام بقصيدته تلك في مناسبة ذكر انتصار الدولة العثمانية. وليس ببعيد أن الأشرم وكان تلميذًا للبرادة وصفيه في ندواته الأدبية، اتفق مع أستاذه على الإعجاب برائية أبي تمام وانعكس هذا الإعجاب على معارضة كل منهما لتلك الرائية حين أتيحت له فرصة القول والإنشاد.. [انظر: الشعر الحديث في الحجاز، عبدالرحيم أبوبكر، منشورات نادي المدينة الأدبي، 1379ه - 1977م ص 93- 94]. ** وبالعودة إلى قصيدة عبدالجليل برادة التي أشار إليها الناقد أبوبكر نجد مطلعها القائل: كذا فليكن ما يحرز المجد والفَخْرُ كذا فليكن ما يجمع الفَتْحَ والنَّصْرُ كذا فليكن سَعْيُ الملوك مقدَّسًا يرافقهُ نسْك ويتبعهُ أجْرُ كذا فليكن قَهْر الأعادي وهكذا تُخاضُ المنايا والحديدُ لها جِسْرُ ومنها: فداوِ مريضَ الجَهْل بالحلم إنْ يَفِدْ وإلّا فَداءُ الشّرِ يَحْسمُهُ الشّرُّ ** ومناسبة قصيدة البرادة الحماسية هي انتصار الدولة العثمانية على اليونان، وكان البرادة المتوفى سنة 1327ه - 1909م عند إنشائه لهذه القصيدة نزيلًا في ظروف غامضة في عاصمة الدولة العثمانية - الأستانة، فحاول أن يمدح السلطان عبدالحميد خان، مع أن الزركلي ذكر في ترجمة برادة أنه أُبعد في أيام السلطان عبدالحميد الثاني إلى الأستانة.. [انظر: قديم الأدب وحديثه في بيئة المدينةالمنورة، أ.د عاصم حمدان، 1430ه - 2009م ص 175- 182]. ** ومع أن كلا من الأستاذين العامودي وعبدالرحيم أبوبكر لم يوردا إلا أبياتًا محدودة من قصيدة الأشرم الغزلية وبالتحديد بيتين يقول الثاني منهما: بَدَا فأضَاءَ الجوَّ حي كأنَّما بليلةِ نِصف الشَّهرِ لم يَطلعِ البَدرُ ** إلا أن العامودي الذي سبق أبوبكر في دراسته عن الأشرم يشير إلى أن للقصيدة بقية حيث يقول: “وأنا أستميح القارئ الأديب عذرًا إذا تعمدت -هنا- ألا أسترسل في إيراد بقية أبيات القصيدة وإنما حسبي أن أشير إلى أنها كانت إلى عهد قريب أحب إلى أصحاب الغناء وغير أصحاب الغناء من كثر من فرائد الشعر الغزلي المشهور.” [انظر: من تاريخنا، مصدر سابق، ص 212 - 213]. ** ولربما كانت القصيدة من الغزل الحسي والذي عرفت به العصور المتأخرة والذي يحجم أديب وقور مثل الرائد العامودي عن إيراده، ويؤكد هذا المنحى إشارته إلى أن القصيدة كانت ذائعة على ألسنة المغنين والمنشدين، وإن كان الأستاذ العامودي يعتبر مصدرًا في شعر الاشرم وحياته التي لم تدم طويلًا؛ حيث توفي عن ثلاثة وثلاثين عامًا، فإنه من غير المستبعد أن يكون -أي الاستاذ العامودي- قد اطلع على ديوان الأشرم، ولعل عند أستاذنا فضيلة الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، وزميلنا الأستاذ فاروق بنجر ما يعيننا على معرفة هذا الشاعر المكي وإبداعاته بصورة أكثر وضوحًا وشمولًا مما وجدناه في المصادر الموجودة والمتوفرة بين أيدينا. ** في الختام لا بد من الإشارة إلى أنه لولا المبادرة الكريمة التي قام بها الشيخ الأديب عبدالمقصود خوجة من تزويدي بصورة من رسالة الشيخ المؤرخ والنسابة حمد الجاسر -رحمه الله- لما أمكن أن نطلّ على هذه المرحلة الهامة من تاريخنا الأدبي الذي كان للدراسات المجتزئة وتلك الأحكام التعميمية دور في انصراف الدارسين والنقاد عن متابعتها فضلًا عن التعمق فيها، إلا أن الأستاذ حسين بافقيه الذي يمتلك أدوات الناقد وحصافته واستشرافه قد قدم جهدًا مقدرًا في دراسة نقدية عن تلك الحقبة. ** ونختم هذه الحلقة بما ذكره عن تعلق الشاعر الأشرم بالصور والأخيلة التي نلفيها في قديم الشعر مستشهدًا بالأبيات التالية التي تقول: في أي طه معانٍ، هُنَّ معناها حَوراء تَرْمي فؤاد الصّبِّ عَيْنَاها ما كُنْتُ أحْسِبُ أنّ الورْدَ يُغْرسُ في روضٍ من الثَّلجِ حتّى بان خدَّاها ما الدّرُّ والماسُ والياقُوتُ تَذْكرها إلّا بميسمِها المَعسُولِ نَلْقاها ومنها: تشابه الكأْسُ والصَّهباءُ ومَبْسمُها وشابَهَ الحبب الأسْنَى ثناياها والقلبُ قدْ حار أن يختار أيُّهما وكان أشْهَى من الاثنين لي، فَاهَا [انظر العامودي، من تاريخنا، ص: 215، وحسين بافقيه، أصول الثقافة الحديثة في مكةالمكرمة ص: 310].