تطرق المؤرخ الدكتور تنيضب بن عواده الفايدي في حديث عبر ملحق الرسالة عن مصنع من مصانع الأحداث التاريخية، ألا وهي ينبع النخل، وذكر أنه ارتبطت بأرضها العديد من الغزوات، وكانت محضنًا لآل البيت أثناء المشكلات التي تقع بين مكةوالمدينة. وفي اليوم التالي لذلكم المقال أقام صالون وادي العقيق الثقافي بنادي المدينة الأدبي لقاء بعنوان: «(الجديدة) أشهر محطات المحمل السلطاني». والحق أن مثل هذه الأحاديث والمقالات والمحاضرات عن الآثار النبوية والأماكن التاريخية تثير الأشجان، فتتداعى أمام المرء العديد من التساؤلات حول الدور المناط بالهيئة العامة للسياحة والآثار، في المحافظة على هذه الكنوز، وبخاصة المتعلق منها بالسيرة النبوية، كالمعارك والغزوات والسرايا والأماكن التي ثبت من خلال الدراسات والتحقيقات نسبتها لنبي الأمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. ومن ثم إبراز تلك المعالم وتعريف العالم بها، فهي إرث عظيم، وكنز ثمين، يفترض الإفادة منها وجعلها معالم في بلادنا، وهذا نهج عالمي وإجراء طبيعي يفترض أن يكون مع كل معلم تاريخي. وإذا كان العالم يفاخر بآثار لم يمض عليها سوى بضع قرون فإن تراثنا الإسلامي - وأعود للتأكيد على المتعلق بالسيرة النبوية على وجه الخصوص - قد فاق العالم ضربا في جذور التاريخ فهو متأصل وعريق، وله العديد من القرون، ولذا كان الحفاظ عليه - في تصوري - من أوجب الواجبات وأهم المهمات أمام هيئة الآثار. وللحق فقد استبشر الجميع بقيام الهيئة العامة للسياحة والآثار، وكانت الآمال المتعلقة بها لا حدود لها، فكان المؤمل القيام بحصر الآثار من خلال الباحثين وأساتذة التاريخ والمؤرخين عموما، ومن ثم القيام بصيانتها وإبرازها من خلال مؤلفات خاصة بكل معلم، فيفيد من ذلك الجميع؛ فالعارف يزداد معلومة موثقة، والجاهل يُفتح أمامه معلم ويعطي نبذة وافية ومفصلة عنه. لكن تلك الآمال لم تتحقق على الوجه المأمول، فينبع النخل التي ذكرها الدكتور الفايدي تعاني من عدم وصول يد التطوير إليها، مع كونها تحوي آثارا ثابتة ثبوتا قطعيا ولها صلة مؤكدة بنبي الهدى وسيد الورى، فالغزوات والعيون والقلاع والحصون كلها لها صلة بهذه السيرة العطرة، ومع ذلك لم تلق تلك المعالم والأماكن الموغلة في أعماق التاريخ الرعاية المأمولة من قبل الهيئة، والناظر لحال ينبع النخل يدرك للوهلة الأولى، عدم الاهتمام الذي تعاني منه! وكذلك بقية القرى فهي إما شهدت مروره عليه الصلاة والسلام أو المكوث ببعضها والصلاة فيها أو أنها كانت مواقع لبعض الأحداث، وكان المفترض تقصي ذلك كله وإخضاعه للبحث والدراسة، وما يثبت صلته بالحبيب المصطفى والنبي المجتبى يفترض إحاطته بكامل العناية ومنحه الدرجة القصوى من الاهتمام والرعاية. إن الآثار في عصرنا باتت من مقومات السياحة، والسياحة أضحت صناعة قائمة بذاتها تقوم عليها ميزانيات العديد من الدول؛ لما لها من مردود مادي كبير وعائد إعلامي واسع. والمرجو هو تفعيل دور الهيئة في جانب الآثار، ويكفي دلالة على احتضان بلادنا للعديد من الآثار هو اختيار مدائن صالح ضمن التراث العالمي، وهي ليست فريدة في مقوماتها، فهناك العديد من الآثار والتراث الذي تكتنزه بلادنا وتحتضنه أرضنا، وكل المطلوب هو فقط رعايتها والعناية بها. وقد سبق لهذه الزاوية - وبعد اختيار المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية 2013 م - المطالبة بإعادة ما يمكن إعادته من آثار دُرست أو أُزيلت من خلال شركات عالمية متخصصة، تمتلك القدرة على ذلك من خلال متخصصين لا يطلبون إلا مجرد معلومات تصويرية عن المكان، وأجدها فرصة سانحة لإعادة هذا المطلب وتوسيع دائرة عمل هذه الشركات ليشمل ينبع النخل وغيرها من الأماكن التاريخية، والرجاء في القائمين على الهيئة وعلى رأسهم سمو رئيسها - وقد سبق أن استجاب (-وفقه الله-) لطلب هذه الزاوية في بوابات المدن - أن يتحقق هذا المطلب، وأن تعود بعض الآثار، وإن غدا لناظره قريب.