شهد الأسبوع الماضي أمورًا مهمة تتعلق بتاريخ المدينةالمنورة؛ وتمثل ذلك في العديد من البشائر منها: تدشين سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز لكرسيه لدراسات تاريخ المدينةالمنورة في الجامعة الإسلامية، والموافقة على تولي دارة الملك عبدالعزيز التنظيم الإداري والمالي لمركز بحوث ودراسات المدينةالمنورة، بعد تولي سموه رئاسة مجلس نظارة المركز. هذه الأمور مثّلت فتحًا جديدًا للمدينة وسيكون لها مردود إيجابي على تاريخها وآثارها التي اندثر معظمها مع شديد الأسف، فربط المركز بمنظومة الاهتمام العلمي لسمو الأمير سلمان يعد إضافة قوية، وسيشهد المركز - بحسب معالي الدكتور فهد السماري - نقلة نوعية، وهو أمر متوقع، حيث ستكون البداية بعقد لقاء علمي مفتوح مع الباحثين والمهتمين. إن المعطيات الآنية لتاريخ المدينة وآثارها تستوجب وقفة قوية؛ فالتاريخ يحتاج إلى توثيق دقيق وهذا مناط بالدارة والكرسي والمركز، وبعد توثيق هذه الآثار والمعالم يأتي دور فاعل لهيئة الآثار- يرجى أن يكون كذلك- التي سيوكل لها إعادة ما يمكن إعادته من خلال شركات عالمية متخصصة، وهي فرصة مواتية لها. إن المؤمل أن يأتي الزائر للمدينة ليرى سيرة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ماثلة للعيان فيقال له (بعد التوثيق العلمي): ها هنا أقام وهنا صلى وهناك خطب ومن ها هنا انطلق.. وهكذا.. وبهذه المناسبة أزف البشرى للقراء الكرام بقرب الانتهاء من الأطلس التاريخي للسيرة النبوية، وهو عمل رائد سيوثق أحداث السيرة ومعالمها ومواقعها من مصادرها الأصلية ومن واقع التتبع الميداني. وتعكف الدارة على مشروع التاريخ الرقمي بحيث يمكن الاطلاع عليه من خلال الإنترنت، كما أن هناك مشروعًا آخر يتمثل في تدريس التاريخ الوطني لطلاب الجامعات. إن المتابع لما ينشر هنا وهناك يجد جهدا فرديا خارقا، فجريدة المدينة تنشر حلقات متوالية للدكتور تنيضب بن عوادة الفايدي عن مواقع السيرة، وهناك آخرون يبذلون جهدًا مماثلًا، وفي تصوري أن الدارة ممثلة في مركز بحوث ودراسات المدينة يفترض أن تضم كل هؤلاء الباحثين تحت مظلتها وتمنحهم الإمكانات لتكون النتائج أفضل والجهد أعمق. وكم هو مؤسف ما يحدث من عبث لآثار المدينة وكان آخر ذلك رسالة بثها جوال منطقة المدينة يوم أمس الأول عن لصوص قاموا بسرقة بعض الآثار! أما فيما يتعلق بالمتاحف الرسمية والتي تخلو منها المدينة بشكل كامل، فمن البشائر أنه سيكون هناك أكثر من متحف، وعند السؤال عن المتاحف الشخصية القائمة فقد أفاد الدكتور السماري أن هناك ثلاثة خيارات لأصحابها: إما شراؤها بمبالغ مجزية، أو عرضها باسم صاحبها، أو صيانتها والحفاظ عليها وهي في حوزته، مؤكدًا عدم وجود نية لدى الدارة لأخذ أي مستند تاريخي بالقوة. أما أبناء المدينة ومحبوها فهم يتطلعون إلى عودة مشرقة لتاريخها وآثارها ومعالمها، تبرز فيه معالم السيرة بعد عودة ما يمكن إعادته، وهم قبل ذلك يتوقون لتوثيق علمي تاريخي دقيق لسيرة خير البشرية وازكي البرية. إن الدعوة للمؤرخين والباحثين والمفكرين للتقدم بالمقترحات والآراء لها وزنها ومكانتها، ويرجى أن تكون ذات جودة ومنهج علمي، وستكون - قطعًا - حجة على مركز بحوث ودراسات المدينة، وبخاصة أنه على عتبات مرحلة مفصلية مهمة.. فهل تتحقق هذه البشائر (التي تمثّل فتحًا) قريبًا؟!