المتتبع للإنترنت بمواقعه المختلفة ومنها "اليوتيوب -you tube" يجد عجبًا؛ ويزداد مع الدهشة ألمًا بسبب ما وصل إليه حال بعض مدعي الثقافة في ثوب ما ينعت بالجانب الليبرالي المتحرر، وما يقابله من تيار متشدد، ولا أقول الفئة المحافظة والملتزمة؛ لأن الأصل في الإنسان الالتزام والاستقامة. ويمتلئ الإنترنت وبالاً وصخبًا وتشاتمًا ونشرًا للسقطات، وكأن المجتمع لا هم ولا حراك له سوى متابعة ما قاله فلان عن علان؛ وما رد به ذلك المسمى مثقفًا عن تياره الذي يؤمن به فكرًا لا عقيدة! وأجزم أن المجتمعات العربية من حول المجتمع السعودي تجاوزت تلك المرحلة إلى أن وصلت حاليًا إلى مرحلة البناء والثقافة المدنية؛ في حين غرق بعض من دعاة التحرير ونظرائهم المتشددين في مجتمعنا؛ في خلق عداوات بينية وهمية؛ إما بحثًا عن مزيد شهرة وأضواء، أو لعمق الفراغ والتهميش المجتمعي الذي يشعرون به، فراحوا يفتّشون عن منابر تضعهم في الصورة أمام الرأي العام حتى إن كانت بأسلوب جدلي عقيم، أو على حساب القيم والمنطق والنهج الموضوعي في الاختلافات العلمية والفكرية والثقافية. إنه إفلاس ثقافي أوجدته البيئة الثقافية المهترئة لهؤلاء والتي أفرزت تلك الحالة الثقافية الراكدة المنشغلة بالاختلافات المزعومة تاركة الهمّ الثقافي والمدني والرقي بالإنسان على الهامش؛ وللأسف فإن بعض مثقفي النخبة وجدوا في الإنترنت فضاءً للشهرة ومرتعًا خلابًا للانفلات الثقافي لم يجدوه في وسائل أخرى حدّت من جموحهم المضطرب! وأتساءل ومعي كثر عن الجدوى من طرح تلك التفاهات الثقافية في وسائل الإعلام الحديث، وما هي فائدة المجتمع من إثارة القوميات الثقافية، والجدليات الفارغة في وقت يحتاج فيه الوطن إلى لحمة وطنية وتماسك أكثر للوقوف أمام تطرف الغرب وظلمه الواضح للثقافة العربية الأصيلة! يا سادة إن عقيدتنا الإسلامية سمحة ووسطية، ومن أرادها بسوء رد الله كيده في نحره، أما من تشدد في فهم أصولها وفقهها فعليه أن يتذكر أن التطرف من سمات الغلاة الذين جلبوا للأمة الإسلامية ويلات من الحروب ومآسي من النكبات التي صرعت الأمة وجعلتها هدفًا مشروعًا للأمم من حولنا بحجة نشر العدالة والحق! كفى تطرفًا، وكفى من دعوات الانفلات المجتمعي التي لم تقد الغرب إلى خير؛ بل جعلته مريضا معلولاً حتى وإن تظاهر بالقوة والنماء! [email protected]