فاضل العماني - "الوطن" السعودية في يدي دراسة مثيرة وخطيرة أعدتها باحثة وإعلامية بحرينية بارزة بغرض الحصول على درجة الماجستير في أحد حقول الإعلام بعنوان "المجتمع الخليجي والغزو الفضائي الخارجي: صراع أم لقاء". وقد استغرقت هذه الدراسة الرائعة أكثر من 4 سنوات بحثاً في المصادر الإعلامية العالمية والعربية, ورصداً مكثفاً لمئات الوسائط الإعلامية من صحف ومجلات وإذاعات وتلفزيونات وفضائيات وإنترنت. تقع هذه الدراسة في 400 صفحة, وبعد شهرين تقريباً ستُناقش في إحدى الجامعات الأردنية. وتسعى الباحثة البحرينية للوصول إلى اتفاق مع دار نشر بحرينية لطبع هذه الدراسة في كتاب يُضاف للمكتبة العربية في مجال الإعلام الذي يُعاني من الندرة والغياب. استمتعت كثيراً بقراءة تلك الدراسة المثيرة, وأكاد أجزم بأنها ستُثير جدلاً واسعاً بمجرد طباعتها أو تسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام المختلفة. ما أدهشني, بل ما أخافني حقاً تلك النتائج الخطيرة التي توصلت لها الباحثة حينما تعرضت للكتابة عن موقع ال YOU TUBE كأحد الوسائط الإعلامية الحديثة التي تتعاطى معها بشكل كثيف شريحة كبيرة من الشباب الخليجي بجنسيه, وهي الفئة العمرية ما بين 14 سنة وحتى 27سنة, وهي الأكبر والأهم في كل دول الخليج, حيث تقدر نسبتها بأكثر من 65% من مجمل عدد سكان دول الخليج الذي يقترب من ال 40 مليون نسمة. تُشير الدراسة إلى أن موقع YOU TUBE هو المفضل والأكثر تصفحاً ومروراً لمعظم تلك الشريحة, حيث يزوره يومياً أكثر من 50 ألف متصفح ينشد غالبيتهم الأفلام واللقطات الإباحية والرقص والغناء والشعر, إضافة إلى الرياضة, خاصة النسائية منها ككرة الطائرة الشاطئية والسباحة. الدراسة مليئة بالأرقام والإحصائيات والمفارقات والإشارات التي تضع أكثر من علامة استفهام حول البنية الفكرية والعقلية والأخلاقية التي يحملها الشاب الخليجي من ساحل عمان وحتى رمال الكويت. هل تصدق بأن أقل من 1% هي نسبة الشباب الخليجي من الجنسين طبعاً الذين يستخدمون هذا الموقع الإلكتروني الضخم لمشاهدة فيلم علمي أو تصفح صور خاصة بالفضاء والبحار والحيوانات, بينما 95% من أولئك الشباب اليافع الذين يعتبرون الرصيد الحقيقي لتلك الدول النامية يتنقلون بكل حرفية ومهارة في مواقع الجنس والفضائح والصور العارية, أما ال 4% الباقية فهي للاستمتاع برؤية اللقطات الرائعة لأسطورة الأرجنتين مارادونا, أو مشاهدة أهداف رونالدو وميسي وياسر القحطاني, رغم أن الأخير يتصدر أيضاً قائمة ال 95%. وتشكل الأفلام والمقاطع واللقطات والصور التي تصل بالمئات يومياً من شباب المستقبل الخليجي إلى ذلك الموقع ما نسبته 35% من مجموع ما يصل من دول العالم. أما نوعية تلك الأفلام واللقطات والمقاطع والصور التي يُرسلها يومياً شبابنا إلى ذلك الموقع فشيء يدعو للاشمئزاز والشفقة والخجل والألم. غسيلنا حينما يُنشر على ال YOU TUBE يظهر لكل العالم بكل أسف وسخاً ومهترئاً وبالياً. وقد خلُصت الباحثة في معرض دراستها الخاصة بفصل ال YOU TUBE إلى أن السعوديين هم الأكثر اجتياحاً لهذا الموقع المشهور.أما أين يذهب الشباب السعوديون أثناء تواجدهم الدائم في ذلك الموقع فأمر بحاجة إلى دراسة وتأمل ولا يمكن اختزاله في مقال بسيط كهذا. أيضاً أشارت الدراسة إلى أكثر عشر كلمات يبحث عنها بجدية وتكرار شبابنا في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2009, وهي على الترتيب: جنس, بنات,..., girls,sex,......, رقص,....,....., استراحة. وعذرا لعدم كتابة بعض الكلمات التي جاءت في قائمة العشر كلمات الأكثر استخداماً, لأنها قد تخدش الحياء الذي مازلنا نمتلك بعضه. وللمهتمين بمعرفتها فإن عدد النقاط قد يدل عليها. هذه الدراسة وغيرها تُشير بأصابع الاتهام دائماً لأولئك الشباب الصغار الذين يعيشون ظروفاً حياتية صعبة, ويتعرضون لإغراءات وضغوطات عديدة تفقدهم بعض بل معظم توازنهم ووعيهم وفكرهم. والسؤال هنا, ماذا فعلنا نحن, ونحن هنا كبيرة جداً لتشمل كل المسؤولين الكبار والصغار والآباء والأمهات والنخب الدينية والفكرية والثقافية والاجتماعية والإعلامية, ماذا فعلنا نحن جميعاً لحماية شباب هذا الوطن الذي تنتظره استحقاقات وتحديات وأدوار كثيرة؟. السعوديون في ال YOU TUBE حالة شاذة ومعيبة رغم تعاظمها وتزايدها, ولكنها ترمومتر أخلاقي يقيس مدى ما وصلت له درجة حرارة وبشاعة وتردي شبابنا معلنة بكل أسف تفشي "أنفلونزا اليوتيوب" التي قد تقضي على حاضرنا ومستقبلنا. لا نُريد أن نقرأ أو نسمع من أحد مهما كان شأنه يلح بالمطالبة بإغلاق هذا الموقع أو غيره, فالحجب لم يعد يجدي في عصر الثورة الإعلامية الإلكترونية التي تصدّر فكرها ونتاجها وقيمها في ثوان معدودة, وتستعصي على المنع والحجب بما تمتلكه من حيل وتلون وتغير وأقنعة. نحن بحاجة إلى أن نفتح لأولئك الشباب الصغار قلوبنا وعقولنا وحبنا وتسامحنا وخبراتنا وإمكاناتنا, لا أن نحجب موقعاً إلكترونياً هنا أو نغلق صحيفة هناك. أعتقد بأن القائمة سيئة الذكر تلك قد شهدت هذه الأيام تغيراً رائعاً ومفاجئاً, إذ اعتلت القمة وحطمت كل الأرقام القياسية السابقة جملة رائعة وهي "سيدة حائل", تلك الملحمة البطولية الرائعة التي جسدها ثلاثة شبان سعوديين رائعين من أبناء هذا الوطن العزيز لإنقاذ سيدة كانت على وشك الغرق بسبب السيول التي اجتاحت حائل. شباب هذا الوطن بحاجة إلى تعليم جيد وسكن مناسب وفرص متكافئة ووظيفة محترمة وحرية حقيقية ومجتمع متسامح وحياة كريمة, وحينما تتوفر له كل تلك المفردات الجميلة أو معظمها, حتماً فإن القائمة تلك ستزدان أيضاً بكلمات ليست كالكلمات, كلمات نقرؤها بفخر وبصوت عال دون أن نشعر بالخجل.