التعليم العالي كغيره من مجالات الشأن المحلي يحتاج لمزيد من إلقاء الضوء والبحث ، وما حدث في الأيام القليلة الماضية يجب أن يسترعي الانتباه خاصة للمعنيين بهذا المجال من مجالاتنا التعليمية، فالتجمهر عند جامعة الملك خالد في أبها لم يحدث لأسباب فوضوية وإنما حدث لسبب يعرفه المطلع على أحوال هذه الجامعة، بل وغيرها من جامعاتنا في الداخل. ومهما أبدى البعض امتعاضهم من هذه الأحداث، فإن العقلاء وحدهم من يدرك أنها أحداث لا يفترض أن تتجاهل بل أن تدرس بعناية ويُهتم بها. عدد من طلاب الجامعات يشتكون من سوء الاهتمام بشؤونهم الطلابية والتعقيدات الروتينية التي تواجه حياتهم الدراسية، ولعل هذه المرحلة العمرية الحساسة التي تفصل بين المراهقة والرجولة تتطلب مزيدًا من الاهتمام والاكتراث. والأسئلة التي يفترض من مسؤولي التعليم العالي أن يبحثوها: ما هي القنوات التواصلية التي تكفل للطالب العثور على أجوبة حول مصيره التعليمي وحياته العلمية أثناء الدراسة الجامعية، خاصة وأنّ الحدث الأخير في جامعة الملك خالد كان سببه الأساس عدم تواصل المسؤولين مع الطلاب بشكل إيجابي؟! وفوق ذلك يبرز التساؤل الخاص بالتصنيف العالمي للتعليم العالي ومدى قدرة الجامعات المحلية في إصلاح نفسها ومواءمة المعايير العالمية للبحث العلمي والتقييم الأكاديمي، ومدى قدرة هذه الجامعات على اللحاق بكل هذه التطورات العلمية. وهو أمر لم ولن يحصل دون اجتهاد دائم من قِبل منسوبي الجامعات -وليس غيرهم- في التصدي لهذه المشكلات القائمة وتفادي حدوث أزمات مستقبلية تتعلق بواقع هذه المنشآت التعليمية، فهؤلاء المسؤولون هم المعنيون بهذا الأمر أولاً وأخيرًا، وهم من توجه لهم مثل هذه الأسئلة والملاحظات، ومهمتهم هي دراستها وإدراك مضامينها وليس تجاهلها والإعراض عنها. ليس الهدف من هذه الأسئلة إحباط القراء ولا الطلاب ولا المسؤولين أنفسهم، فأنا على ثقة بأنه مثلما وجدت السلبيات فإنّ ثمة إيجابيات ينبغي مراعاتها وأن كثيرًا من المسؤولين في هذه الجامعات ممن عرفتهم عن قرب كان يعمل ليل نهار للارتقاء بالمنظومة التعليمية وجعلها تتوازى وتتقاطع مع المعايير العالمية، غير أن هذه الجهود الحثيثة من قبل بعض المهتمين تواجهها عراقيل من أبناء نفس الجهة وأحيانًا في الجامعة ذاتها، فتتعطل إرادة النجاح على يد إرادة الفشل! ومهما يكن من أمر فإن التعليم العالي خصوصًا يفترض به أن يكون منبرًا تنويريًا وتعليميًا راقيًا في تعامله مع الطلبة، وأن يكون مضرب المثل في احتوائه لأزمات الشباب وليس العكس.