ما زلنا نتحدث عن السينما الإيطالية لما لها من أهمية فنية للدرجة التي جعلت هوليوود تستعين بالفنانين الإيطاليين فى السيناريو لإخراج أفلام الغرب بطولة ممثلين أمريكان وبميزانية أقل تكلفة من إنتاجها بأمريكا منها مجموعة «الطيب والشرس والبشع» وأيضًا «من أجل حفنة من الدولارات» وفيلم «من أجل مزيد من الدولارات» وقد لاقت هذه الأفلام نجاحًا كبيرًا ماديًا وجماهيريًا. من المخرجين المهمين هنا مايكل أنجلو أنطونيوني. ولد أنطونيوني في مدينة إيطالية (فيرارا) حيث درس الاقتصاد وبعدها رحل إلى روما وعمل كناقد فني في جريدة إيطالية ويشارك في تحرير مجلات دورية جميعها تهتم بالسينما ثم أصبح عضوًا فى هيئة تحرير «تشينما» في روما ومن شدة ولعه بالسينما عمل بالمركز التجريبي للسينما وبعدها بدأ يشترك في كتابة سيناريوهات الأفلام وقد ساهم في نجاح بعضها منها «عودة الطيار- الظالمان» ثم عمل مساعد مخرج للفرنسي مارسيل كارني في فيلمه «زوار المساء» وعمل أيضًا مساعدًا للمخرج فيسكونتي في كتابة سيناريو بعض أفلامه وأما إخراج الأفلام فقد بدأ بالأفلام التسجيلية من 1942 إلى 1949 ونال على فيلمين منها الجائزة الفضية وهما «صفاء الصديق» و«المتيمة الكاذبة». انتقل إلى إخراج الافلام الروائية منذ 1950 حيث عمل فيلم «حديث فى الحب» ومُنح فيه جائزة الإخراج الأولى وبذلك اتضح أسلوبه في الإخراج وتناوله للشخصية وأسلوبه في حركة الكاميرا واللقطات الطويلة التي تتابع الشخصية لإبراز المعاني السيكولوجية في أفلامه أخرج مجموعة كبيرة من الأفلام أهمها ثلاثيته الشهيرة «المغامرة- الليل- الخسوف». عبّر أنطونيوني في كل أفلامه عن الإنسان ومشاعره وصراعه مع نفسه وصراعه مع البيئة المحيطة به وخلص إلى مبدأ أن الإنسان يجب أن يتعايش مع حياته ومجتمعه بصدق ويتقبّل التأقلم إلا أن أفكاره قد لا تُفهم كما يعنيها وذلك لأن شخصيات أفلامه تعبّر عن الضجر أو الفراغ ومعظمها لا يستطيع التعايش مع واقعه أو يعاني فراغ عاطفي تتضح العدمية واللامبالاة في شخصيات أفلامه مما جعل النقاد يخطؤن في تفيسر بعض أفلامه وسوف أخص بالتحليل لثلاث من أهم أفلامه وهم: «الصحراءالحمراء- انفجار أو تكبير- نقطة زابريسكى». سوف ابدأ بتحليل فيلم «الصحراء الحمراء» وهو أول أفلام أنطونيوني الملونة وقد وظّف اللون فى الفيلم توظيفًا درامىًا رائعًا وغيّر في درجات الصورة السينمائية بما يلائم حالة شخصياته النفسية. يروي الفيلم حياة مجتمع المصانع في الصحراء النائية حيث تعيش (جوليانا) زوجة المهندس (كواردو) المشغول دائمًا في المصنع ولديها طفل منه وتعانى من مرض عصبي وفراغ عاطفي نتيجة عدم قدرتها على التكيّف مع مجتمع زوجات العاملين بالمصنع وخوفها من كل مايتعلق بالآلات الحديثة وحتى أن الرجل الآلي لعبة ولدها التي يحبها يخاف منها في الظلام، في الجانب الآخر زميل زوجها (أوجو) يغتنم فرصة الحالة النفسية التي تعاني منها -جوليانا- ويحاول أن يقيم معها علاقة من وراء ظهر زوجها الجاد المخلص. في البداية تتمادى في هذه العلاقة وخاصة أثناء غياب زوجها في رحلة عمل ثم تبدأ في التراجع حيث أنها تحب زوجها وترفض الاستمرار في هذه العلاقة الآثمة. إن انطونيونى ينتصر للحياة الصناعية الحديثة حيث أنها لا تقل جمالا من غابات رافينا. وظّف انطونيونى الألوان في الفيلم وفق مشارع أبطاله وبخاصة جوليانا حيث ان المتجر الوحيد في حي المصنع ملون باللون الأزرق والأخضر الباهت الذي يعكس الحالة النفسية للبطلة واللون الأحمر والأصفر لون الصحراء والنار المنبعثة من فوهات المصنع والمختلطة بالدخان الأسود المنبعث من تشغيل المصنع وهو الجو العام إلا أنه يتسامى إلى الباهت وتمتزج الألوان إلى الرمادي الداكن وهو إحساس البطلة ووجهة نظرها عندما تكون وحيدة. وينتهي الفيلم وهي تلوّح لسفينة تركية وتسألهم إذا كان في إمكانها أن تذهب معهم وتصطحب من تحب تقصد زوجها وولدها ربما في الرحلة القادمة وينتهى الفيلم نهاية مفتوحة. الفيلم الثانى الذى لا يقل أهمية هو فيلم «تكبير أو انفجار» يحكي قصة مصور فوتوغرافي إنجليزي شاب هو في الأصل مصوّر موضة وأزياء قرر أن يصدر كتابًا مصورًا عن البيئة اللندنية لفت نظره حديقة شرق لندن حيث صوّر عديدًا من اللقطات لرجل وامرأة دون أن يلحظاه وفجأة تلاحظه الفتاة فتتبعه إلى منزله للحصول على نيجاتيف الفيلم الذي صوّره لها دون علمها وتساومه على حصولها على الفيلم في مقابل اعطائه نفسها وتتم الصفقة إلا أنه يراوغها ويبدأ في تحميض الفيلم وتكبيره ويكتشف عند تكبير الصور يد رجل يصوّب مسدسًا ثم جثة الرجل الذى كان معها وقد وقع على العشب في الصورة فيذهب إلى نفس المكان ليلًا يكتشف أن الرجل أصبح جثة هامدة موضوعة بين الأشجار فيمتلئ رعبًا ويرجع إلى استوديو منزله وفي صباح اليوم التالي يذهب مرة أخرى يبحث عن الجثة فيجدها قد اختفت وهناك فريق يلعب التنس بدون كرة أو مضرب وهناك جمهور متابع ويقلّب نظره بين اللاعبين وهو مشهد إيحائى ولانسمع سوى صوت انتقال الكرة ووجهة نظر المخرج أن الأشياء نسبية في الحياة والاقتراب من الصورة قد يجعلنا نكتشف قبح الحياة وليست كما تبدو العلاقة بين الفتاة وصديقها لأن وراء ذلك جريمة قتل لا تبدو سوى بتكبير الصورة. الفيلم الثالث «نقطة زابريسكي» صُوّر فى أمريكا بصحراء زابريسكي وتدور أحداث الفيلم في لوس انجيلوس عندما يشترك الشاب مارك في اجتماع ولكنه لا يقتنع بالحوار الذي يدور وأيضًا يلاحظ إنه مثار شك من حرس الجامعة حيث قُتل أحد الحراس وتحوم الشبهة نحو مارك الذي يشعر بتتبع الحراس له فيهرب خارج المدينة حتى يصل إلى مطار قريب ويسرق طائرة ويتجه بها نحو صحراء زابريسكي وفي نفس الوقت تتجه الفتاة داريا إلى الصحراء بسيارتها القديمة، يلتقي الاثنان ويصلان إلى نقطة زابريسكي ويحدث بينهما انسجام وسط الصحراء وهو وادي الموت المليء بمجموعة الهيبيز الذين يعيشون بطريقة بوهيمية وسط الصحراء حيث تنضم إليهم داريا، وفي نفس الوقت يبحث رجال البوليس عن مارك للاشتباة في جريمة القتل لكن داريا تتصدى لرجال البوليس وتطلق عليهم النار دفاعًا عن صديقها مارك. يسترع مارك بعض الوقت مع الهيبيز إلا انه يواصل رحلته بالطائرة المسروقة إلى لوس انجيلوس بعد أن أعاد طلاء الطائرة لتغيير معالمها وعند هبوطه في المطار يكون البوليس فى انتظاره ويقتلوه في الحال، وتعلم داريا من الراديو بمقتله وهي في سيارتها متجهة إلى بلدة فونيكس حيث يقطن رجل الأعمال الين الذي يخطط لبناء فيلات سياحية وهذا ضد رغبة جماعة الهيبيز الذين تنتمي إليهم درايا وفجأة نرى تفجيرًا ضخمًا فى فيلا الين ويعاد عدة مرات وداريا تتجه بسيارتها القديمة مبتعدة عن المكان.. نهاية مفتوحة للفيلم تعبّر عن تمرد الشباب في ذلك الوقت والرأسمالية التي لا ترحم في سبيل المال لا يهم أن تعتدي على الطبيعة والحياة الفطرية وتحويلها إلى مبانٍ خرسانية وباردة لا حياة فيها.