تعيش ساحة الإنشاد الديني الرفيع في الوقت حالة تعطش شديدة للمهرجانات الإنشادية القوية بعدما بات إقامتها مرتبطا إلى حد كبير بمواسم ومناسبات معينة مثل شهر رمضان المبارك، ولم يعد خافيا على المتابعين أثرها الكبير والفعال في الرقي بمستوى الإنشاد، "الرسالة" ناقشت الأمر مع المنشدين والمنظمين فكان التالي: في بداية حديثة اعتبر الموزع عبدالله العيسى تناقص عدد المهرجانات الإنشادية داخل المملكة من حيث العدد والنوعية ليس في صالح تطور وارتقاء ذلك النوع الرفيع من الفن، كما أن نسبة الحضور في القليل منها ليس على مستوى المطلوب. وقال: "خارج المملكة نرى المهرجانات الإنشادية تسحب البساط من تحت المهرجانات الفنية الأخرى، ونحن الآن نجحنا في إقامة المهرجانات الإسلامية لكنها قليلة.. في الماضي كانت الحفلات صغيرة وداخل المراكز الصيفية.. ولا تزال تقدم أروع الأعمال وأفضلها من ناحية الإضاءة والصوت والإخراج وكذلك المونتاج، ومن ثم تعرض في القنوات الفضائية والان الوضع دون الطموحات". وأوضح أن الإنشاد أصبح ينافس الغناء خارج المملكة لكثرة المهرجانات: "هناك مهرجانات إنشادية كبيرة، وتنوع في المنشدين، لكن داخل المملكة المهرجانات قليلة جدا". ويضيف العيسى: إن الإنشاد لم يسحب البساط من تحت أقدام الغناء لكنه أصبح منافسًا قويًا له: "وهذا ما نطمح إليه ونرجوه، ولو أصبحنا نحاكي الغناء في أغلب موضوعاته فسنرى من يتفوق على الآخر في نفس الموضوعات والقيم: "فمثلًا عند الحديث عن الحب والغزل بقيم إسلامية دينية نلاحظ أن هناك بين الغناء والإنشاد، وعندما يكون للإنشاد تأثيره الكبير فهنا سندرك أننا نسير بالطريق الصحيح كتنظيم وتأسيس وبناء". ويرى العيسى أن ما ينقص مجال الإنشاد في الوقت الحالي قلة عدد المنشدين الذين يحملون فكرًا ورسالة، في ظل توافر الأفكار الإبداعية بالمهرجانات، داعيا إلى مزيد من التنسيق بين الشركة المنظمة والمنشدين لخروج الاحتفالات بأبهى صورة. مرتبط بانتشار الفن وبدوره يرى قائد فرقة جوهرة جدة المنشد عثمان الغزالي أن انتشار المهرجانات الإسلامية مرتبط بانتشار الفن الإسلامي من الأساس، فكلما انتشر هذا الفن سنرى جماهيره الغفيرة وبالمقابل سنرى إقبالا على المهرجانات الإنشادية. ويقول: بفضل الله عز وجل بدأ الفن الإسلامي والإنشاد ينتشر بشكل أكبر مما كان عليه في الماضي، فجمهور الإنشاد لا يقتصر على الملتزمين فقط، بل على عامة الناس وكذلك غير المسلمين، وأضاف: "عندما تنتشر الروح الإسلامية قطعًا سيكون الإقبال على الإنشاد أكثر وأكبر". ويعرب الغزالي عن أمنيته في أن يرى احترافية أكثر في المهرجانات الإنشادية من ناحية التنظيم والأجهزة والإمكانيات التقنية، وقال: "شخصيًا أتمنى أن أرى هذه المهرجانات في أبهى صورة وهذا لا يتم إلا بأسلوب العمل الاحترافي، وهذا هو ما ينقص هذه الاحتفالات". وقال أن المهرجانات الإنشادية لا تحظى بالدعم الكافي، فبعض المشاركين يضطر لأن يدفع من جيبه الخاص لإكمال بعض المتطلبات التي تنقص المهرجان لكي يخرج بصورة طيبة، وأكثر المهرجانات تقوم على اجتهادات فردية: "ولو أقيمت عشرة مهرجانات لن نجد غير مهرجان واحد مدعوم". وضوح الهدف أما قائد فرقة باب اللبلد للفنون الشعبية المنشد أنس أبو الخير فيؤكد أن المهرجانات الغنائية مهما تكن يبقى لها ما تتميز به، بخلاف المهرجانات الإنشادية التي لها هدف معين ويقول: "في النهاية تلتقي المهرجانات الغنائية والإنشادية في أن كل منشد وفنان يعرف بنفسه على المسرح وبالمنتجات التي قدمها وإن كانت هناك فوارق فهي في الطريقة التي تقدم بهذه الحفلات، فالمهرجانات الإنشادية تقتصر أحيانًا على قضية الإيقاعات والدفوف، وأحيانًا تتم الاستعانة بالبدائل البشرية كما تفعل بعض الفرق على المسرح. أما المهرجانات الغنائية فتكون مصحوبة بجميع الآلات الموسيقية المساعدة وتكون لها أجواء مختلفة". وأضاف أبو الخير انه في الفترة الأخيرة أصبحت المهرجانات الإنشادية تميل إلى الشق التجاري بعيدا عن الإتقان في الإخراج والتنظيم والصوت والإضاءة، وكذلك عدم التجديد حيث إن جميع الفرق تؤدي برتم واحد. أما الفرق الإنشادية التي تخدم نفسها وتهتم بتجويد عملها ونالت سمعة إعلامية جيدة فهي موجودة بشكل مستمر في الحفلات، ومتميزة دائمًا على غيرها من الفرق. واختتم أبو الخير حديثه قائلًا: "مشكلة المنشد السعودي أنه يريد من الإعلام أن يسعى خلفه على عكس المنشدين في الدول الأخرى حيث يطلبون ودّ الإعلام ويقومون بالإعلان لأنفسهم بأنفسهم و من ثم يأخذون حقهم كاملًا من الإعلام". العبرة بالفاعلية وعلى عكس الرؤى السابقة يرى المنشد مصعب المقرن أن المشكلة لا تكمن في قلة المهرجانات الإنشادية، ويؤكد أنها موجودة بقوة وفاعلية على الساحة لكنها تشكو التجاهل والإهمال، ويقول: المهرجانات الإنشادية كثيرة في مناطق المملكة لكنها -ومن تجربتي الشخصية وتجربة إخواني من المنشدين- لم تجد الدعم الكافي والقوي من الناحية المادية، فعلى الدعاة ورجال الأعمال الذين يهمهم فن الإنشاد أن يقوموا بدعمه. وأضاف المقرن: عندما يوضع إعلان في أي من الجامعات عن قيام حفل إنشادي: "فإننا نرى المسرح ممتلئًا عن آخره، رغم أن الإعلان قد يكون محدود التأثير وفي مستوى ضيق، لذلك لا بد من تطوير الأساليب المتبعة في تنظيم المهرجانات والحفلات، كذلك لا بد أن تزيد من الإمكانات المادية والاهتمام بمجال الصوت الإضاءة والإخراج". ويشير إلى انه إذ لم يكن بمقدور القائمين على المهرجان تحمل عبء إقامة المهرجان من الناحية المادية فعليهم ألا يقوموا بتنظيمه من الأساس حتى لا يخرج بصورة مشوّهة.