منذ بدأت الثورة في سوريا 15/3/2011م وأنا أرجئ الكتابة عما يحدث فيها، في البداية كانت الأهوال التي تحدث في ليبيا واليمن تشغلنا قليلا عما يحدث في سوريا، لكن بعد ذلك طغى المشهد الدامي في سوريا على كل المشاهد، وتحول النظام إلى قوة احتلال غاشمة، واشتد الألم يعتصر قلبي، ويخنق تفكيري، خصوصا عندما أشاهد جرائم قتل وتعذيب الأطفال، وأسمع أخبار التنكيل بالثوار، وأتجنب مشاهدة ما تنقله الفضائيات حياً ساخناً ونازفاً، فقط أسمع عن هذا العنف الدموي الذي لم يرحم طفلاً صغيراً ولا شاباً غضاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ثكلى. ليس عزوفاً عن الكتابة، ربما تكفيراً عن إثم الشك في ما حكته لي صديقتي عن مأساة خروجهم من سوريا، تجسدت الصورة في ذهني وأصبحت أكثر وضوحاً ورسوخاً مع كل الألم الذي يغمرني وأنا أشاهد ما يحدث للثوار في كل المدن والقرى التي تفجرت فيها الثورة ضد الاستبداد وارث الكراهية الذي بذر بذوره الأسد/ الأب، ونمت جذوره السامة في ذهنية الأسد/ الابن/ ونظامه وأخيه رفعت الذي يقود عمليات العنف الشيطاني ضد الشعب السوري، وتصدر اسمه قائمة المطلوبين التي صدرت عن الأممالمتحدة منذ بداية الثورة السورية. حكاية صديقتي بدت لي وقتها كالأساطير، أو أنها تنضوي على شئ من المبالغة كسباً للتعاطف، مع أني شديدة الثقة في صدقها لكن للعقل طاقة محدودة على التصور وتقبل الحكي على أنه حدث واقعي خصوصاً عندما يكون الحدث أكبر من قدرة الانسان على التصور كما يحدث الآن في سوريا. ربما تبدو حكاية صديقتي ليست مأساة، بعد أن رأيتم بأم أعينكم على الفضائيات واليوتيوب الفظائع التي يرتكبها النظام السوري بأمنه وجيشه وشبيحته ومجرميه ضد شعب أعزل حتى أنه فقد الرحمة ومشاعر الأبوة فلم يرحم براءة الأطفال حد التعذيب والتنكيل والقتل بوحشية أدمت قلوبنا ألماً وحسرة وحزناً. صديقتي من أسرة حمصية متدينة وسطية، لا تنتمي إلى أي تيار ديني أو حزب سياسي، ومن مظاهر التدين الوسطي تردد الرجال والشباب والصغار على المساجد كل الصلوات أو بعضها حتى لو يوم الجمعة كأضعف الايمان، ولأن النظام السوري في عهد الأسد/ الأب يسجن كل شاب خطى إلى المسجد خطوة واحدة، ومن يدخل السجن لا يعرف مصيره أبداً في سوريا، هذا غير ضياع المستقبل الحلم الذي يعيش عليه الأبوان. لذلك، غادر إخوة صديقتي الشباب سراً إلى خارج موطنهم ووطنهم، وبقيت صديقتي وشقيقتها، والأم والأب الذي تآكل عمره وانطوى، رغم ذلك قبض على الأب وزج به في السجن واضطرت الأم والفتيات للخروج هرباً من البطش، ومن يومها لم يعدن إلى مدينتهن، والأب مات بعد أن أفرج عنه بشهور وحيدا محروما من زوجته وأبنائه وبناته ولم تكتحل عيناه بهم أبداً منذ الرحيل والسجن. أما صديقتي فلم تعد أبداً إلى مدينتها حمص، ولم تودع أباها إلى قبره، ولم تتمكن من التواصل مع أقربائها لتطمئن عليهم منذ تفجر الثورة خوفاً عليهم من الاستخبارات التي تتنصت على المكالمات وتلقي القبض على من تصل أيديهم إليه دون رحمة ولأي خطأ. تحولت الحياة إلى جحيم، وغدت المظاهرات هي الطريق الرحيم؛ فإما نصر من الله أو استشهاد ينهي هذه الحياة! الموت أصبح خياراً أثيراً في سوريا، ومحفزاً على الارتماء في الحشود الثائرة التي تستقبل نيران النظام السوري بصدور عارية. كلما ارتفعت وتيرة القمع وامتلأت الشوارع بالآلة الحربية، دبابات ومدرعات ومعدات الجيش الحربية، وتناثر القناصة على أسطح المنازل، غصت الشوارع بالمظاهرات، رغم دموية الوجوه الإجرامية المتصدية للبراءة والحرية والإنسانية. نظام يحاول التعمية والتغطية على ما يحدث بأكاذيب ومغالطات وأن الثوار مجموعة إرهابيين وهي نغمة عزف عليها من قبلهم ثم مضوا ومضى زمنهم. ما قيمة الحكم والرئاسة إذا كان مغموساً في نهر الدماء ومصلوباً على جدار الكراهية المقيتة التى تحيل الحياة إلى جحيم؟ لا أعرف كيف يتمسك هؤلاء الرؤساء بحكم شعب يبغضهم، شعب يفقد كل يوم العشرات والمئات في سبيل الخلاص منهم، ربما لم يفهم بشار الأسد أن العد التنازلى للسقوط قد بدأ منذ قال الشعب كلمته وأن المسألة تحتاج إلى العزم والحزم من المجتمع الدولي والدول العربية كما قال وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل: (الحل الوحيد للأزمة السورية هو نقل السلطة «طوعاً أو كرهاً») وكرهاً من وجهة نظرى.