حينما قرأت كتاب الأديب الساخر يوسف معاطي (كلام أبيح جدا... وبالعامية المصرية) قفزت إلى ذهني مقولة كنت قرأتها للكاتب الساخر أيضا إبراهيم عبدالقادر المازني في نقده لكتابات القاص المصري محمود كامل وانتقد حينها استخدامه اللغة المصرية الدارجة في حوار بعض القصص ولكنه عاد فقال (من دواعي اغتباطي أن يكون في وسعي أن أؤكد للقراء أنهم سيجدون فيها متعة لا يظفرون بمثلها في كل كتاب فإن له لبراعة في الحبك ومهارة في السبك وحذقا في تعليق الأنفاس) وهذا الكلام ينطبق على كتابة يوسف معاطي في كتابه الذي صدر. يكشف معاطي في هذا الكتاب مدى الازدواج الأخلاقي المتفشي في المجتمع المصري، حيث الحياة السرية التي يمارسها والحياة العلنية التي يعيشها. والفارق الكبير بين الكلام بالعامية واللغة التي يكتبها الكاتب حفاظًا على أخلاقيات المجتمع وبين التقبل والرفض لبعض الألفاظ حسب الموقف والحالة التي يقال فيها حيث يتجول بنا عبر عشر حكايات جاءت تحت عناوين (الوزير عمل حادثة – بس ما تقولش حمار – الهرمون ابن الهرمة – علي صوتك...علي صوتك – كلام أبيح – خليها نزيهة –– لغتنا الجديدة – التواصل مع الشباب – الراجل اللي بيحدف شمال). من يقرأ الكتاب لن يجد فيه أية أباحة (بمعنى قلة أدب) على الإطلاق حيث لا علاقة بالمضمون باسم الكتاب فهو عبارة عن مجموعة مقالات أو مواقف أو قصص قصيرة اعتمد الكاتب في تحريرها على أسلوب السخرية منتقدا الأوضاع الاجتماعية في مصر بشكل عام من نفاق وبيروقراطية حكومية ومن طريقة تعامل الإنسان مع الحيوانات والضرائب والتعليم....الخ وكأنه يقول أن هذه الأوضاع تستحق أن يتعامل معها الإنسان بالأباحة وقلة الأدب إما معترضا وإما للحصول على حقوقه. معظم حكايات الكتاب ليست جديدة في الطرح فقد تناولها المازني ويوسف السباعي وغيرهما من الكتاب الذين تناولوا الأوضاع الاجتماعية في مصر في كتاباتهم الأدبية على اختلاف الأسلوب والشكل الأدبي المستخدم لكن الجديد هو السخرية التي اعتمدها الكاتب في تناولها فجاءت طريفة تمتاز بالمفارقات اللغوية والكوميدية. ومن يقرأ كلمة الإهداء يظن أن الكتاب ما هو إلا قاموس لجمع الألفاظ (الابيحة) التي يتداولها الشعب المصري في مواقفه المختلفة (مشاكله وأفراحه وهزاره) حيث يقول الكاتب: إلى ذلك المواطن المخنوق الذي اخرج من فمه (صفيحة زبالة) بعد ما فاض بيه من روتين الموظفين، إلى تلك المرأة التي خلعت شبشبها وانهالت به على زوجها مصحوبا بأقذع الألفاظ والشتائم التي تتناول أدق خصوصيات علاقتهما الزوجية، إلى كل لسان زفر، إلى كل هؤلاء الذين يستخدمون أنوفهم وأصابعهم ولغة أجسادهم للتعبير عن الخنقة، إلى كل هؤلاء المخنوقين، السفلة، المنحطين أهدي هذا الكتاب فمن وحيهم...كتبت هذا الكتاب...محاولا أن أعبر بالأدب عن قلة الأدب. ويطرح الكاتب في مقدمته قضية الازدواجية والتناقض بين لغتنا التي نتحدث بها فعليا بما تتضمنه من (اباحة) وبين لغتنا الراقية التي نقرأ ونكتب بها والتي لا تتضمن أية اباحة على الإطلاق فصار الازدواج مضاعفا فالناس يتحدثون لغة والكتاب يكتبون لغة أخرى حفاظا على أخلاقيات مجتمع غير أخلاقي أصلا ورغم تلك الثورة الأخلاقية على الكلام (الأبيح) في الفن والصحافة ووسائل الإعلام لا يوجد أي رد فعل تجاه الأفعال القبيحة المنتشرة في مجتمعنا ورغم أننا نتأفف من الكلام (الأبيح) في فيلم أو مسلسل ونشمئز منه إلا أن له جاذبية خاصة في حياتنا اليومية. ويكشف عن مدى المفارقات اللغوية في اختلاف معاني الكلمات بين البلاد العربية وبعضها...فكلمة قد تكون شديدة (الأباحة) في مصر مثلا إلا أنها كلمة عادية جدا وبريئة تماما في تونس مثلا أو لبنان وبالطبع فمعناها هناك يختلف تماما عن معناها هنا كما يطرح الازدواجية في حرية التعبير في الثقافة العربية ماضيًا وراهنًا فنجد في كتاب ألف ليلة وليلة كثير من التعبيرات (الابيحة) التي لجأ إليها كاتبها ولم يجد لها بديلا آخر كذا تحوي كتب التراث الكثير من الألفاظ التي تعد في نظر البعض (أبيحة) ولذا أوجه كتابي هذا لهؤلاء الذين يريدون أن يروا الأشياء كما هي دون خداع ولقد اخترت أن أكتب هذا الكتاب بالعامية المصرية لأنها اللهجة المفهومة في كل الوطن العربي ولم أشأ أن استخدم لهجات أخرى لأننا كنا سنقع في مشاكل أكبر فاللهجات العامية العربية بها كثير من الألفاظ التي تعني هناك شيئا وتعنى هنا شيئا آخر. قبل أن يتركك الكاتب للاسترسال في قراءة حكاياته يختم مقدمته قائلا: وأخيرا أحب أن أحبط هؤلاء الذين اشتروا كتابي لكي يقرأوا فيه كلاما (أبيحا) يحبون أن يسمعوه في الشوارع وعلى النواصي وأقول لهم إن الألفاظ التي سيقرأونها في الكتاب ليست ألفاظا قبيحة وإنما المشاهد التي سيقرأونها والمعاني التي بها هي مشاهد ومعان قمة في (الاباحة).