أتفق إلى حد بعيد مع من يقول إن هناك ضعفًا شديدًا في ثقافة اقتناء الأعمال الفنية في وطننا العربي ككل. في العام الماضي استأجرت منزلاً في لندن كان يحتوي على ما يقارب من 40 لوحة تشكيلية صغيرة ما بين الزيت والفحم والحبر والباستيل والقرافيك والفوتواغرافية وجميعها أعمال أصلية ومنتقاة بحرفيّة وذوق راق ومنتشرة في جميع الغرف والممرات، ولما سألت صاحبة المنزل عنها ذكرت لي أنها تدخر أموالها في شراء اللوحات الفنية وبعضها ورثتها من والديها وستورثها لأبنائها من بعد لأنها ضمن ممتلكاتها وتركتها مثل مجوهراتها. أسرد ذلك لأقول إن ثقافة اقتناء الأعمال الفنية في تصوري هي ثقافة الادخار أو الاستثمار عند البعض، والبعض الآخر يرى أن في تعليق الأعمال الفنية الراقية في جميع أرجاء المنزل والمكتب هي بمثابة تربية وتنمية جمالية وذوقية وإبداعية لأفراد أسرهم، فهي شيء أساسي وليس كمالي في وجهة نظرهم، ولا يكتمل بناء المنزل وتأثيثه إلا بوجود أعمال فنية تنمّي الذوق الفني والحس الجمالي وتزيد الشعور بالسرور والبهجة وتنمي علاقة الساكن بالمسكن. انظر على سبيل المثال الفرق الشاسع بين مباني القطاع العام والخاص، فبعض المباني يشعر العاملون فيها ومراجعوها بالنفور منها وتجلب شعور التعاسة والبؤس، وعلى النقيض تأخذ مباني القطاع الخاص في اعتبارها أنه من أساسيات التأثيث وتجهيز المبنى نشر الأعمال الفنية المجسمة والمسطحة في أهم المواقع وبمواجهة نظر الزوار والعاملين لإضفاء صبغة خاصة بالمكان ووضعه في مركز يليق بها بين المنافسين. ولتمنية هذه الثقافة في مجتمعنا، على وسائل الإعلام والمدارس والأسر أن تجعل من زيارة المعارض التشكيلية ضمن برامجها الدورية، وتشجيع المعارض المدرسية وشراء أعمال الطلبة الموهوبين لضمان استمرارهم في الإبداع. وما يبشّر بالخير لمجتمعنا ورجال أعمالنا هو أن أسعار أعمال فنانينا الوطنيين بكافة مستوياتهم تعتبر مغرية لدرجة أن هناك بعض العاملين الأجانب وموظفي السفارات وبعض الزوار يحرصون على شراء الأعمال الفنية من المملكة نظرًا لاحتوائها على قيم فنية عالية، وبها لمحة الثقافة الشرقية الساحرة، فهم يعتزون ويفتخرون بتعليقها في مكاتبهم وبيوتهم، ومنهم من يتاجر بها أو يحفظها في متحفه الخاص، حيث إن بعض المستثمرين ينوّع استثماراته بين التجارة والصناعة والأسهم وشراء اللوحات الفنية لسهولة تخزينها ونقلها ولطول عمرها وبعدها عن مخاطر صعود وهبوط السوق وتغيراته اليومية. أضرب مثالاً بمن اشترى أعمال رامبرنت وجوخ وبيكاسو ومن بعدهم بأرخص الأسعار حينها والآن لا تباع أصلاً إلا لمن يرغب البيع، فبيعت في أوائل العام 2011 لوحة لبول سيزان في صفقة خاصة بمبلغ 250 مليون دولار لمستثمر طلب عدم الإفصاح عن اسمه لخشيته من سرقتها ولحفظ رأسماله في صفقات خالية من الضرائب.