الصهيونية فكرة استعمارية أول من نادى بها نابليون بونابرت بعد فشل حملته على الشرق في نهاية القرن الثامن عشر. بونابرت رأى أن اليهود الذين كان الأوروبيون يعتبرونهم مصدر إزعاج، يمكن الاستفادة منهم في الدفاع عن المصالح الاستعمارية في المنطقة دون أن تتجشم الدول الاستعمارية عناء المخاطرة بدماء أبنائها. وفي القرن التاسع عشر التقط البريطانيون الفكرة من بونابرت، وراحوا يعملون على ترويجها في الأوساط اليهودية مستعينين بخلفية توراتية يرى بعض رجال الدين اليهود أنه تم توظيفها لأغراض سياسية لا علاقة لها بالدين. خلاصة الموضوع أن الصهيونية رغم خلفيتها الدينية، هي فكرة دخيلة على الدين اليهودي. ومن هنا وجب علينا التفريق بين اليهودية كدين وكمعتقد، وبين الصهيونية كفكرة ومشروع سياسي ارتدى مسوح الدين واستغل حالة الخوف الشديد التي شعر بها يهود العالم إبان حكم النازي في ألمانيا، حيث تعرض اليهود في ألمانيا ثم في جميع البلاد التي احتلتها قوات النازي، لحملات إبادة جماعية اصطلح على تسميتها ( بالهولوكوست ). اليهود عاشوا في ظل الحضارة العربية الإسلامية آمنين، ومصادر التاريخ لم تذكر حادثة واحدة تعرض فيها معبد يهودي في المنطقة العربية للحرق أو التدمير أو الاعتداء. والسبب أن حضارتنا قامت على التعدد والتعايش بين أبناء الديانات والمذاهب والطوائف المختلفة منذ عهد الخلفاء الراشدين. أما الأندلس فقد تدفقت إليها موجات لا حصر لها من اليهود المضطهدين في أوروبا، وقد وجد هؤلاء اليهود الأمن والأمان وتمتعوا بكافة حقوق المواطنة المعروفة في ذلك الوقت. وكل من يزور الأندلس حاليا يمكنه أن يشهد بأم عينيه انتشار الأحياء اليهودية ( الجيتو ) في كل المدن الأندلسية . شهر العسل الذي قضاه اليهود في الأندلس انتهى بنهاية الحكم العربي الإسلامي، حيث خيرهم الإسبان - هم والمسلمون - بين اعتناق المسيحية وبين النفي تاركين وراءهم كل ما لديهم من ثروات وممتلكات. ولقد نزح معظم اليهود مع المسلمين من إسبانيا، وتمكن من وصل منهم إلى المغرب العربي، من الإقامة هناك مع الاحتفاظ بنفس الحقوق التي كان ينعم بها في الأندلس إبان الحكم العربي الإسلامي. القضية إذن ليست قضية عداء ديني كما يعتقد الكثيرون، فالإسلام عمره أكثر من ألف وأربعمائة عام، واليهود موجودون في العالم العربي والإسلامي منذ ذلك الوقت دون أن تحدث مشاكل أو حروب أو فتن. لقد جرى على اليهود ما جرى على المسلمين في كثير من البلاد والمناسبات، ففي الحروب الصليبية كان اليهود مستهدفين إلى جانب المسلمين والمسيحيين العرب التابعين للكنيسة الشرقية.