المدينة الوادعة بجمالها ورقة ذكراها.. بحرارة شمسها وحسن بنائها.. بحاراتها القديمة الضيقة، وبساطة مبانيها التراثية الموحية بهدوئها وسكينتها.. وبجمال مفرداتها المعمارية.. تجده يبحر بخياله في أشكالها وخطوطها.. لتحمل لوحته بين ألوانها حنينًا إلى ماضي مدينته.. الذي رآه أمام ناظره فتأمله من حين لآخر ليتولد في فكره وقلبه الذي امتلأ حنانًا وشوقًا لأجوائها السحرية والروحانية.. فتهتف ريشته الحانية على فضاءاته بكل ما وقعت عليه عيناه من معالم الجمال فيها.. فيسترجع جماليات أركانها ورواشينها الخشبية المزخرفة.. ونوافذها التي نظر من خلالها إلى عالم مدينته.. أناسها.. وشوارعها ومبانيها.. وأبوابها العتيقة التي فتحها أمامنا.. كأنه يدعونا لندخل بوجداننا لنتأمل في أفقه الممتد ونغوص في عمق لوحته ونحلق في أجواء بيوته وأشكالها التراثية التي تستقبل وتجذب كل من نظر إليها.. كما استقبلته واحتضنته حتى أصبح فنانًا تشكيليًا ينهل من أرضها وتراثها.. فلا يستطيع أن يخفي مشاعره تجاهها.. بل قدمها بروح وعاطفة فنان تشكيلي.. هو سامي البار صاحب اسم ولون مميز في مدينته العظيمة (المدينةالمنورة).. أحب الانتماء إليها ولتراثها والحفاظ عليه وسعى في نفس الوقت لاستخراج الجانب الجمالي فيه.. في مشهد جمالي يؤكد أصالته ويرسخ هويته.. ليعبر عما يكنه من حب وعشق لتلك المدينة العظيمة مدينة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ، والتي يفخر ويعتز بانتمائه إليها.. فهي لا تمثل له صورة أو لون على لوحته بل أكثر من ذلك.. فصورها بقلبه قبل لونه.. واعتبرها لمسات من روحه.. وومضات في مشاعره.. تأمل تراثها وحركة أناسها.. ليصوغها عبر ريشته اللونية الراصدة لذلك العالم المليء بالحركة.. فعلى قماش لوحته الزيتية سلك طريقًا جديدًا بأسلوبه التكعيبي المميز ليبحث من خلاله عن حركة مبانيه الساكنة التي جمع بينها البار ليرمي كل منها في حضن الآخر.. ويعكس من خلالها قوة الألفة والمحبة والعلاقات الاجتماعية الحميمة بين أهلها.. لتصبح لوحته جامعة لعدة صور وقد تعددت لقطاته الجزئية واختلفت زواياه ودقتها.. فهو يتأمل مفرداته من حين لآخر.. نظر لتلك الرواشين البارزة فتراه يجلس تحت ظلالها يتأمل تشابك خطوطها.. التي حشدت في فضاءاته مازجًا بين الهندسي منها والعضوي ليجعلها تتكرر باتجاهات مختلفة لتعطينا إيقاعًا خطيًا.. وقد سكنت داخل مساحاته المتقاطعة الشفافة.. الحافلة بألوانها المتنوعة.. محفوفة بهالات من الضوء في مشهد جمالي بديع.. لتراها تتداخل وتتقاطع لتوحي بالحركة، حيث بدأها بمساحات صغيرة تنتشر من وسط لوحته بدرجات لونية متناسقة.. فألف ألوان بيئته وطبيعتها، أرضها وسمائها.. شمسها.. فضاءات الحرم النبوي ورحابته.. مد بصره إلى السماء ليرى سرب الحمام وقد حلق بأمان في تلك الأجواء الروحانية وسبح بأجنحته في أمواج زرقتها الصافية والشمس في كبدها تتوهج وترسل أشعتها دون عائق فتبهج قلبه وتسبي فؤاده بروعة إشراقها وبديع جمالها.. لتستمد ألوانه (الأصفر والأحمر) من الشمس حرارتها وضوءها الذي انعكس جليًا على سطوح تلك المباني القديمة لتضفي على لوحته مشهدًا فيه احتفالية بالضوء.. ثم أطلق بصره نحو الأرض ونخيلها الباسق الأخضر وقد تعلقت حولها قناديل الرطب.. نلمح إشراقاته اللونية المتباينة (الأخضر والأحمر بدرجاتهما) (في أعلى اللوحة من اليسار) وقد حدد بذلك مصدرًا لصدور أشعة الشمس، التي لا تمل أشعتها مداعبة مساحاته صغيرها وكبيرها.. وتتقاطع تلك الإشراقات مع تدرجاته الغامقة (البني والأزرق بدرجاتهما) (أسفل اللوحة من اليمين) وكأنه يريد أن يعبر بتلك المساحات (المشرقة والغامقة) عن النهار والليل.. لنرى مساحاته المشرقة بأحجامها المختلفة (باستخدام التكبير والتصغير) تعبر عن الحركة التي استمدها من حركة الناس وسعيهم في فترة النهار.. أما مساحاته القاتمة أصبحت أقل حركة فيعبر من خلالها عن فترة الليل لتكون فترة سكون وهدوء.. وسط حارات المدينة القديمة.. صورها خالية من الحياة بعد أن تركها ساكنوها واتجهوا إلى مساكن حديثة نتيجة التطور العمراني.. وقد تمكن من ربط عناصر التكوين وتحقيقه للتوازن والتنوع في مفرداته فبالرغم من تعدد عناصره إلا أنه تمكن من جعل العمل كوحدة وكجزء واحد، بالإضافة إلى مزجه بين ألوانه الحارة والباردة باتزان. وتبقى رائحة حارات المدينة القديمة وتراثها تفوح من أعمال التشكيلي سامي البار ليوظفها بنجاح، يتأملها مع إشراقة كل صباح وعند سكون كل ليل.. لينشىء حوارًا لونيًا بين أشكاله تجعل المشاهد يتفاعل معها بصريًا وجماليًا، وبأسلوبه الخاص (التكعيبي) أصبحت لوحته الملونة في ثوبها الجديد أكثر جمالاً وأصالةً.. لتصبح لوحته نافذة تطل على ذلك الماضي كما رآه الفنان ملونًا حاملاً للأمل والحلم والفرح.