ليس من مواهبه صلى الله عليه وسلم الشعر ولا من طبيعته، وليس عنده وقت لتهوك الشعراء ووله الأدباء، وليس لديه خيال شارد يقتنص سوارح الأفكار، بل جاء برسالة جليلة ووفد بوحي عظيم، إن محمد صلى الله عليه وسلم ليس شاعر يضرب الأخماس بالأسداس، ويهيم في أودية الخيال، بل هو نبي معصوم، كل كلمة منه دين، وكل جملة منه سنة؛ لأنه جاء لإصلاح العالم، وليس لدغدغة العواطف وملاعبة المشاعر كما يفعل الشعراء، فليس عنده فراغ في العمر لنظم بنيات الأفكار، ولا لإطراب الجمهور، فهو مرشح لإنقاذ البشرية بإذن الله؛ ومن هذا حاله فالجد منهجه والحق مقصده، والإصلاح أمنيته: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ). ولم يكن صلى الله عليه وسلم شاعر؛ لأن الشعر لا ينبني على الحقائق، ولا يقوم على البرهان، فالشعر مزيج من الخيال والهيام والغرام والوله والكذب والزيف، وصان الله رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك. وما ينبغي لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يقول الشعر، فما جاء لتسلية الناس ولا لمدح الملوك، ووصف الديار والبكاء على الآثار، بل أتي بنفسي هو لغسل الضمير من أوضار الشرك، وتطهير الروح من دنس الوثينة، وعمارة الكون بالإيمان، فأنفاسه تعد، وثواني عمره تحسب؛ لأن مهمته لا تحمل التأخير فهو مبعوث من الخالق إلى الخلق برسالة محمدية عنوانها لا إله إلا الله محمد رسول الله. وإن مزاحمة الرسالة المحمدية الخالدة المعجزة بالفنون الأرضية وبالهوايات العاطفية والتسليات لهو تعطيل لهذه الرسالة عن أداء مهمتها وتفريغ لها من محتواها الجلي العامر. إن مع محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أجمل من الشعر، وأبهى من الأدب، وأحسن من الحسن، ألا وهو هذا الكتاب الباهر المعجز الذي أسكت الشعراء، وأفحم الأدباء، وأذهل العلماء، وحير العرب العرباء: إذا تغلغل فكر المرء في طرف من حسنه غرقت فيه خواطره