إن خادم الحرمين الشريفين -وفقه اللهُ لكلِّ خير- في كلِّ ما يصدر عنه من توجيهات وقرارات وأوامر إنما يصدرُ عن حبٍ صادق لهذا الوطن والمواطن، وعن رغبةٍ صادقةٍ في تحقيقِ ما يضمن كرامةَ المواطن وعيشهُ عِيشةً هنيئة، يتحققُ له فيها على أرض الواقع: توفير السقف الضروري من مسكن يليق به كمواطن سعودي، وتوفير وسائل العلاج في وقته ومكانه المناسبين، والتعليم الجيد... إلخ. ومن المدهش -وقد كتبتُ في هذا كما كتب غيري كثيراً- أن عدداً من الجهات المعنية ومن المسؤولين المعنيين بتنفيذ هذه الأوامر والتوجيهات التي تصب مباشرةً في صالح المواطن، بعضٌ منهم لم يَسعَ بالشكل المطلوب لتحقيق المصلحة العامة ولا تطلعات المليك -حفظه الله-، بل قد يكون منهم من يَتفنَّن في وضع التفسيرات التي تحول دون تحقق هذه المصلحة أو تلك، على حساب المواطن المحتاج! كمثال على ما أقول: موضوع أهالي العيص وما حصل لهم أثناء موجة الزلازل الشهيرة -حمانا الله وإيّاهم من كل سوء- فقد شُكلت لجنة عليا بتوجيه ملكي كريم لبحث احتياجات المواطنين هناك وتقديم العون الفوري لهم، ومع أن اللجنة لم تُقصِّر في عملها واجتهدت في تلمس هذه الأمور ورفعت توصياتها بشكل مقنن وواضح، ولكن وعلى أرض الواقع تحقق بعضٌ وتُرِكَ آخر! فقد عاد عدد من الأهالي إلى مساكنهم الأولى وأوضاعهم السابقة وكأنّ شيئاً لم يحدث، وكأنّ أزمةً لم تمر بديارهم وقد تعود في أي وقت؟! فأين التوصيات وكم كان نصيبُها من التطبيق والتحقيق؟! ومن الأمورِ التي يشتكي الأهالي هناك من عدم تنفيذِها؛ وليس لها أي ذكر إلى الآن مع ورودها صراحةً في توصيات اللجنة العليا المرفوعة للمقام السامي والمعتمدة من قِبله -يحفظه الله-: منح مبلغ مالي مجزٍ كبدل تهيئة وسلة غذائية؛ لكل أسرة من الأسر المتضررة، والتي أُلزمت على ترك منازلها، وهو ما لم يحصل إلى ساعته مع مطالبتهم بذلك! وحتى أكون منصفاً ودقيقاً فإن السلة الغذائية وحدها هي التي رأت النور والحمد لله! كذلك وفي (محافظة أملج) كتبتُ قبل عامين عن أوضاعِ بعضٍ من المواطنين في عددٍ من القرى البعيدة والقريبة من هذه المحافظة الجميلة؛ لم يتوفر لهم سكن يأويهم، ولا دخل مادي ثابت؛ وأمرٌ عظيم أصيبوا به وزاد في معاناتهم، ولا يستطيعون معه حولاً ولا قوة، وأنّى لهم ذلك! وهو: أن عدداً من أبناء هذه الأسر المُعدمة مصابٌ بأمراضٍ عقليةٍ ونفسيةٍ من أبناء وبنات وبعضُهم تجاوزَ الثلاثين من العمر دون علاجٍ ولا رعايةٍ، وهم في حالةٍ يتفطرُ منها قلبُ الإنسان حسرةً وحزنا! اجتمع فيهم الفقرُ والجهلُ والمرضُ! إني أحكي واقعاً رأيتهُ بأم عيني وليس ضرباً من خيال أو مبالغة، لذلك فإني أُناشد وزارات الإسكان والصحة والتعليم أن تولي هذه القرى اهتمامها، فمنْ فيها مواطنون حالهم يُرثى له. وقد كان لمقام وزارة الداخلية جهدٌ مشكور ومُقدَّر في تقديم العون العاجل للمستحقين قبل عامين، ولكن الأمرَ يحتاج لحلول دائمة جذرية ولدينا من الخير مما أفاء اللهُ به على هذه البلاد ما يُمكننا من ذلك بحول الله. وإني أُذكِّر كل مسؤول بل وكل مسلم أن يقف بكل جوارحه أمام هذا الحديث النبوي لسيّد الخلق وإمام الرحماء محمد صلى اللهُ عليه وسلم: (أحبُ الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحبُ الأعمالِ إلى الله عز وجل سرورٌ يُدخله على مسلم أو يكشفُ عنه كُربةً أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني: مسجد المدينة)!!) خرّجه الألباني في الصحيحة..!