القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي والذي يقضي بتجريم كل من ينكر المذابح التي مورست بحق الأرمن على يد الجيش العثماني، هو صورة من نهج غربي قديم يمنح الدول الاستعمارية الحق في محاكمة الأمم الأخرى أخلاقيا. الدول الغربية التي ما زالت مبادئ العنصرية وثقافة الرجل الأبيض تتغلغل في لا وعيها، لم تمنح نفسها الحق فقط في محاسبة البعض و(( التطنيش )) عن البعض الاخر ، ولكنها تجاوزت ذلك لتنصب نفسها حكما على التاريخ بكل ما يحتوي عليه من ملابسات ورؤى متناقضة يصعب الخروج إزاءها بحكم موحد أو قاطع. الدول الغربية استخدمت وما تزال، القيم الأخلاقية كورقة ابتزاز سياسي تشهرها في وجه أعدائها وخصومها، وأحيانا في وجه أصدقائها وحلفائها كما يحدث الآن مع تركيا التي يقاوم الفرنسيون بكل ما أوتوا من قوة، رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي . لكن أيا كانت الأغراض التي تدفع بالدول الغربية لاستخدام القيم الأخلاقية كورقة ضغط تهدف إلى الابتزاز، فإن ما يثير الدهشة هو صدور مثل هذا القانون من قبل البرلمان الفرنسي الذي يعد أكبر سلطة تشريعية في البلاد. وهو ما يدفعنا للتساؤل: ما هي مهمة السلطة التشريعية في البلاد الرأسمالية الاستعمارية؟ هل مهمتها ممارسة المراقبة على أداء الأجهزة الحكومية وتشريع القوانين التي تضمن تحقيق المصلحة العامة من ناحية وتكرس قيم الحق والعدالة من ناحية أخرى كما يحدث في دول اسكندنافيا؟ أم أن مهمتها قابلة للتسييس مما يجعلها تتورط في تشريع قوانين تهدف إلى ممارسة الابتزاز السياسي مع الخصوم؟ لو كان البرلمان الفرنسي يمتلك الحد الأدنى من احترام الذات لما سمح لنفسه بتشريع قانون يحاسب أمة أخرى على ما ارتكبته من جرائم، متناسيا سلسلة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي قام بها الاستعمار الفرنسي منذ مرحلة نابليون بونابرت حتى نهاية الحقبة الاستعمارية في ستينيات القرن الماضي. لقد كان الأولى بالبرلمان الفرنسي أن يستصدر قانونا يجرم فيه كل من ينكر وقوع جرائم الإبادة الجماعية التي قام بها الفرنسيون في الجزائر وبعض دول أفريقيا بالإضافة إلى دول الهند الصينية ( فيتنام، لاوس ، وكمبوديا ) . ولو كان البرلمان الفرنسي يحترم نفسه حقا لاستصدر قانونا مماثلا يعاقب كل من ينكر جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين. ولو كان المواطن الفرنسي يعي حقا طبيعة المهمات المنوطة بالسلطة التشريعية، لأجبر البرلمان على التراجع عن هذا القانون. حتى أنت يا فرنسا؟!