لا يمكن في تقويم ومتابعة دور الإنسان الاجتماعي والثقافي والإنساني أن تنكر الحقيقة في استحقاق تواجده وقيمته وأهميته والوظائف الإنسانية المرتطبة به وبمجتمعه، التي نفذها والأدوار التكميلية لوظيفته الأساسية. وإذا كانت ثمة معيار معنوي قوي سار من خلال أدائه.. [العمدة].. محمود بيطار رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فهو [الشهامة].. و [النبل].. و.. [المروءة].. و.. [العطف].. و.. [الاحسان].. و.. [إسداء المعروف].. و.. [الكرم].. للغير. فهي شعور يعكس داخلية نفسه الطيبة الرحبة والجميلة، وحبه العميق والصادق لمكةالمكرمة وأهلها المباركين، وأيضًا يبرز ما استكن فيه من أثر الحياة المكية التي خلقت ترابها وأرضها في أخي وصديقي وحبيبي محمود البيطار. إنني حزنت، وفجعت، وبكيت عندما جاءتني رسائل عبر الجوال تخبرني بوفاته. وكنت يومها اتنقل في مستشفيات بريطانيا لأخذ العلاجات الطبية. والعمدة الرصين والمؤدب محمود بيطار [ظاهرة اجتماعية] مميزة ظهرت في المجتمع المكي بصورة لافتة للنظر. بل إنه تفوق، وتميز على كل أقرانه من العمد بمكةالمكرمة. العمدة محمود هو رجل مثقف ومطلع يقرأ كثيرًا فطالما اتصل بي -رحمه الله- يسألني عن كتاب أو مرجع ما، بل في بعض الأحايين كان يطلب مني شراء بعض المؤلفات له عند سفري. وثقافة محمود ظهرت في كل تعاملاته مع الآخرين ذكر أو أنثى، إلى الحد الذي يكشف فيه الرجل عن علو ورقي غريزية.. [خدمة الناس]..، وتبقى المرأة هي مدار انشغاله فخدم معظم المؤسسات الاجتماعية والإصلاحية والصحية بمكةالمكرمة، بل وجدته رحمه الله يقف بنفسه في إقامة بعض الحفلات بتلك المؤسسات المجتمعية. مما جعل العمدة محمود بيطار أحد أهم الشخصيات المكية المعروفة بإظهار إيجابيات التفكير الاجتماعي واضمحلال سلبياته. كان العمدة البيطار يقوم بالواجب المحتم والمطلوب علينا جميعًا في تفقده لأحوال الناس وقضاء حوائجهم. وكان علينا أن نفهم خصوصيات وأوضاع وتقاليد.. [العمدة].. في مكةالمكرمة والذي جسده في الماضي العمدة الأشهر في بلادنا جدي لأمي الشيخ عبدالله محمد بصنوي -غفر الله له، ثم جاء من بعده العمدة محمود بيطار ليجسد الكثير والكثير مما فعله رجال مكيون كبار مثل العمدة الشيخ عبدالله بصنوي وغيره. ولا أقصد من هذا الكلام العكس مما يعتقد البعض أن وضع العمدة اليوم مثل السابق، لا، لكن محمود بيطار استطاع وبمهارة فائقة وتستحق التقدير، أن يجمع بين النموذجين القديم والحديث فعمل على تحديث وظيفة العمدة، وفي الوقت ذاته لم يستطع أحد من العمد بمكةالمكرمة أن يفعلوا مثل ما فعله البيطار، وهذا تميز انفرد به رحمه الله. وتعامل البيطار مع معظم المجالات الاجتماعية النشطة بما يجب أن تتاح لها الضرورات والأخلاق والتقاليد والقيم المكية الراقية والفاضلة، فهو العمدة الوحيد الذي داوم باستمرار على إقامة حفل سنوي في نهاية شعبان.. [الشعبنة].. ويدعو الكثير من المسؤولين والمثقفين والأدباء والأكاديميين والعمد وعامة الناس. فمن ثقافته الواسعة وبخاصة المجتمعية، أنه أخذ بحقوق المناسبات وما يجب أن تراعيه وما يجب الابتعاد عنه من مداراة للموقف الرسمي والتديني، ومعايشة العقلاء والنبلاء المكيين بكل تحركاتهم. فماذا يعني أن يكون العمدة محمود بيطار هكذا؟. إذا لم ينطلق من تلك الانطلاقات الاجتماعية، والثقافية والملتزمة بكل المنطلقات التي تخصه من ناحية ومن ناحية أخرى يمكنها من خلالها أن تؤدي دورها الاجتماعي والثقافي، كما يجب، إذن أليس للعمدة محمود بيطار ذاتية خاصة به؟!.. أو ليس له برنامج ممنهج مكنه أن يقوم به ما يجب أن يقوم به العمدة؟!. لعل واجبه الإنساني والحيوي والثقافي هنا في هذه الجوانب أن تتدخل فيها الثقافة والأدب كتفكير إنساني واجتماعي يكون واجبهما الرقي بالمجتمع وتوعيته. إن حياة وأعمال وإنجازات وأدوار ومجالات ومواقف العمدة الخلوق والمؤدب / محمود بيطار، تمثل وتجسد.. [سيرة كرسي العمدة النموذجي].. في المجتمع المكي ما جعل المسؤولية تنشط بين المجتمع والعمدة فتحمل كل طرف مسؤوليته وتبعاتها. والعمدة البيطار إذا أدرك في أي قضية مجتمعية أو أمنية تأتي إليه، فإنه إذا أدرك في الأمر خطأ ينال من كرامة أو سمعة عائله أو إنسان، فانه يعاتب يوبخ ويقرع، ويعالج ويوجه بهدوء وعقلانية وموضوعية وأدب، فهو من يحمل الرسالة الرسمية لإبلاغها لجهتها العائلية أو الفردية، وهو يحرص على عدم نشرها فهو من عادته.. (الستر).. في أعمال ومواقف العمدة، ويتفهم بمسؤوليته كل التبعات المترتبة، لا أعرف لماذا مر رحيل أخي وحبيبي وصديق الشيخ محمود بيطار، عمدة الهجلة المعروف والمشهور بهدوء وصمت وفجاءة، وفجعة. رحل بصمت وفجأة ومفاجأة، فجع المجتمع المكي بذلك الرحيل القاسي على مثلي وغيري. وغاب البيطار وهو في ربيع عمره. كما تميز محمود بيطار أنه لم يبق نفسه وشخصيته في غيابات الاتهامات والتأويلات. بل حرص كل الحرص على المحافظة، على سمعته ومكانته وسمعة عائلته وسمعة الوظيفة التي يديرها لأن العمدة تميز أيضًا بوحدة الهدف الاجتماعي، والانطباع الوظيفي والتأثر الأخلاقي على وظيفته.. [العمودية].. فلقد صاغ كل ذلك على هيئة عمله وإنجازاته ومواقفه الرجولية والشهامة والنبيل والكرم. وهو من الرافضين كليًا للجمود الاجتماعي الذي يفرق ويقتل العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية وربطها باللحمة الوطنية والعلاقات الإنسانية، وهذا ما جعلني أقول أن تركيبة شخصية محمود بيطار جديرة بالتأمل والتدوين والدرس، فهو عمدة ولكنه ليس كباقي عمد بلادنا، وإضافة إلى ذلك حاول البيطار أن يوجد رابطًا إجرائيًا وواقعيًا برسم شخصية جديدة للعمدة، لتكون توطئة تتناسل منها صفات مثيرة وغير متناقضة تتناسب مع ما يقتضيه المجتمع من شمولية العمل المجتمعي. ولحمته في كل ذلك تلك القيم المكية الرائعة. بل أنه احترم وتعامل مع كل متغيرات المرحلة من تحديث وتطور ورقي فكان البيطار أمام مجتمع يريد حلًا سريعًا وفوريًا لأعماله وأشغاله ووظائفه. فحقق له البيطار ما يريد. رحم الله الرحمن الرحيم أخي محمود بيطار الذي اتكأ على مخزون هائل من إعجاب وتقدير واحترام الناس له، وأؤكد أن مكةالمكرمة قد أحبت ابنها البار بها -إن شاء الله- كما أحبها فتبادلا الحب الصادق والمخلص. لقد كان محمود مخلصًا لمكةالمكرمة وأهلها المباركون كأطيب ما يكون الإخلاص. كان شهمًا كأعظم ما تكون الشهامة، وكان نبيلًا كأفضل ما يكون النبل، وكان كريما كأرقى ما يكون الكرم. وكان بسيطًا في شخصيته ورفيقًا بالناس. (*) أديب وكاتب سعودي [email protected] الموقع: www.z-kutbi.com