أخذتني ما ذكرته أجهزة الإعلام عن ما كُشف عنه من ثروات بعض من أطيح بهم من الحكام العرب إلى استذكار ما يُروى عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز من الزهد والصلاح والعدل والورع لا نجد مثله إلا قليلا، فقد كان أزهد أهل زمانه، خاصة بعد أن تولى أمر المسلمين. قال ابن عبد الحكم: «لما ولي عمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا، ورفض ما كان فيها، وترك ألوان الطعام»، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه، ويقيم صلبه، وكانت نفقته وعياله في اليوم درهمين، وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين. هذا المثال الصارخ للزهد والتقوى يجعلنا ننظر إلى حال بعض من يتولى الشأن العام اليوم. والأمثلة كثيرة على ما يعيشه هؤلاء من حياة لا تبتعد فقط عن الزهد والتقوى بل وتتجاوز ذلك إلى الافتئات على المال العام واعتباره حقاً خالصاً لهم لا يفرقون بينه وبين أموالهم الشخصية، إذ يتماهى الخط الفاصل بين ما هو ملكية عامة وملكية خاصة. ونظرت إلى ما نقله الرواة عن خامس الخلفاء الراشدين وكيف أنه لما تلقى عمر بن عبدالعزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد. ويصف رجاء بن حيوة هذا الموقف فيقول: والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا !! وكان أول ما فعله عمر هو أنه استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء، زوجة الخليفة، فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا، واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك، وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين. نافذة صغيرة: [إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في اقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.] عمر بن عبدالعزيز