رغم جدية وعمق المفكر في شخص الدكتور محمد سليم العوا المرشح المحتمل لمنصب رئيس مصر إلا أنه يمتلك أيضا روح "ابن البلد" الذي يمسك بناصية النكتة في أحرج المواقف وأكثرها جدية.. انه في كل الاوقات النموذج للمفكر والعالم الجاد غير المتهجم, وحين اعتقدنا اثناء حوارنا مع الدكتور العوا أننا دخلنا مناطق شائكة واقتحمنا "عش الدبابير" فوجئنا به ينثر نكاته ومزحاته وسط حديث لا تنقصه الجدية حول هم يشخصه أو حل يوصفه.. في الحوار كثير من المزح المتخم بالجد وها هي التفاصيل: أخطاء وعقبات طبيعية * بداية كيف ترون مصر الآن وقد أوشك مولد الانتخابات البرلمانية أن ينفض؟ ** مصر تسير على الطريق الصحيح بما جرى من انتخابات برلمانية وما يتوقع أن يتم من انتخابات مجلس الشورى ووصولًا إلى تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب في نهاية يونيو.. هذا هو الطريق الوحيد الذي سيؤدى إلى تحقيق الديمقراطية.. أما العقبات التي تواجهنا فأراها طبيعية وهي إما مصطنعة أو بحكم ضرورات الأشياء أو بأخطاء تقع من المسؤولين عن إدارة شؤون البلاد.. ولابد بعد هذه الثورة الكبيرة ان تحدث هذه المشاكل والثورات التي سبقتنا استمرت سنين طويلة أما نحن فبعد نصف عام سنكون قد حققنا رقميين قياسين هما 18 يومًا لإسقاط الرئيس و18 شهرًا لنقل السلطة من الحكم العسكري المؤقت إلى حكم مدني نهائي. "النظام لم يسقط في مصر" * لكن ثورة تونس حققت ما لم تحققه ثورة مصر وفي وقت أقصر؟ ** ظرف تونس مختلف فما سقط في تونس لم يكن زين العابدين بن علي بل النظام كله هوى مرة واحدة.. أما لدينا فالنظام لم يسقط بأكمله حتى الآن بل أن بعض رموزه ظلوا يعملون على إفساد الحياة مدة طويلة جدًا.. وعلى سبيل المثال زكريا عزمي رئيس ديوان مبارك تأخر مجرد سؤاله في التحقيقات أربعة أسابيع.. وهذه الأسابيع الأربعة كفيلة بأن تقيم الدولة وتقعدها.. ليس هذا فحسب بل إن وزراء سابقين تولوا رئاسة الحكومة مرتين بعد سقوط حسني مبارك.. وهذه كانت مسألة لافتة للشعب كله.. بل إن حكومة عصام شرف الأولى كان كل وزرائها تقريبًا من حكومة أحمد شفيق.. وهذا خطأ لكن طبيعي من أناس (ميعرفوش) سياسة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة خبرة محدودة جدًا في إدارة أي شأن غير عسكري، كما أن تعاملهم مع الناس كان مبنيًا على معلومات موروثة من النظام السابق وحتى هذه المعلومات لم تكن متاحة لهم لأن رجال حبيب العادلي ( وزير داخلية مبارك) منعوا عنهم المعلومات.. وبعد سقوط وزارة الداخلية واقتحام مقار الشرطة بدأت المعلومات الحقيقية تتوفر لهم.. والخلاصة أن الانجاز التونسي كان مختلفًا عن الانجاز المصري وسقوط النظام في تونس مكن الأشقاء التونسيين من سرعة إيجاد البديل. السلفيون.. المفاجأة * كيف ترون نتائج الانتخابات البرلمانية؟ وهل كنتم تتوقعونها؟ وما رأيكم في المخاوف التي صاحبت تصدر التيار الاسلامي؟ وما الفرق بين الحقيقي والوهمي فيها؟ ومن المسؤول عن تبديدها؟ ** توقعت أن يحصل الإسلاميون على ما بين 25 و35% من أصوات الناخبين لكن المفاجأة الحقيقية بالنسبة لى كانت دخول التيار السلفي في الانتخابات. * دخوله أم ما حصده من نتائج؟ ** لا.. أقصد دخوله الانتخابات وبمجرد أن أعلن حزبا النور والأصالة عن خوضهما الانتخابات توقعت تغيرًا هائلًا في الخريطة الانتخابية.. لأن الحركة السلفية تعمل منذ 20 عامًا في المساجد تحت مظلة الحماية الأمنية التي كانت لا تنال حتى من زعمائها وقد يخطئ أحدهم مرة في السياسة فيحبس أو يعتقل ستة اشهر أو سنة وينتهي الأمر.. وكان هناك تيار آخر هو التيار الجهادى ويعمل في الصعيد (جنوب مصر) وكان يمارس السياسة بمعنى العنف الذي توقفوا عنه وعن العمل بالسياسة وانتهت المسألة بالمراجعات وخروجهم من السجون.. واتباع هذين التيارين لا يحصون ومعظمهم مقتنع بأن الكلام في الدين لا يتجاوز الجامع ولا يعدو كونه حديثا عن الاولياء ومدى جواز التوسل بهم والقبور وزيارتها لكن في اللحظة التي يتحول فيها الشيخ إلى سياسي ويقول لهم صوتوا لهذا ولا تصوتوا لذاك سيقولون سمعًا وطاعة لأنهم يرون في هذا الشيخ الصدق والعلم الكامل.. وهذا ما جعلني أعتبر أن دخول السلفيين الحياة السياسية مفاجأة حقيقية لكن على أية حال الأداء السياسي مختلف عن النجاح في الانتخابات وسنرى ذلك في البرلمان. حكاية الشيخ والمذيعة * وماذا عن المخاوف.. والوهمي والحقيقي فيها؟ ** المخاوف الحقيقية جاءت من خطاب متشدد وتصريحات غير مسؤولة قيلت في مختلف الأوقات منذ أن قرر السلفيون دخول العمل السياسي وحتى بداية الانتخابات مثل: سنغطي التماثيل.. سنضع شمعا على الآثار.. سنمنع السياحة الشاطئية بل أن أحدهم كان في حوار مع مذيعة فقال لها: سوف نجعلك ترتدين الحجاب.. وحينما سألته: كيف؟ رد عليها: بالقوة.. وربما كان ذلك على سبيل المزح مع المذيعة لكنه قيل في التلفزيون وكانت له أصداء مخيفة لدى المصريين العاديين. والمصدر الثاني للمخاوف هو أن كثيرًا من شباب السلفيين وليس العلماء يتصورون أن الحياة محصورة في مسائل البدع والخرافات والقبور والأولياء والصلاة في المساجد أو البيوت.. هذه الموضوعات تشكل جزءًا صغيرًا من الحياة والباقي بناء وتنمية ورحمة وإحسان وعدل وبر بالوالدين والجيران وخدمة الأيتام.. هذه هو الإسلام.. وهذه الرؤية الضيقة لا تخيف المسيحيين أو العلمانيين فقط بل تخيف جمهور المسلمين العاديين مثلي ومثلك.. أنا أعتقد أن هذين المصدرين الحقيقيين للمخاوف. مخاوف منهج سياسي * أرى أنكم قد حصرتم المخاوف في السلفيين فقط لكن في الشارع ثمة مخاوف حقيقية مصدرها الاخوان؟ ** لا.. المخاوف من صعود الاخوان مختلفة.. انها مخاوف منهج تفكير سياسي مبني على الاسلام في مواجهة مناهج تفكير سياسية موجودة في مصر لا شأن لها بالاسلام أو لا تريد أن يكون للاسلام شأن في مصر.. هناك من ينادون بفصل الدين عن الدولة على طريقة السادات يرحمه الله.. ومن يرون أن التدين هو الذي يجلب التخلف وأن الغرب لم يتقدم إلا بعد أن ألغى دور الكنيسة وبالتالي لابد ان نلغي دور الدين مع أن الكنيسة غير الدين.. الكنيسة مؤسسة والدين معانٍ وقيم وأحكام وعبادات وشرائع.. اذن المخاوف من الاخوان مصدرها الخوف من أفكارهم أما السلفيون فهو الخوف من أدائهم وطريقتهم وسلوكهم واحتكاكهم الدائم بالجمهور وأذكر أن احد قادة السلفيين كان جالسًا في نفس هذا المقعد الذي تجلس عليه وقال: الناس يخافون من شكلنا ولن يحدث شيء لو هذبنا هذا الشكل.. فرددت عليهم: ليتك تقول ذلك لهم.. ولو أنك اطلعت على البرنامج السياسي للاخوان فلن تجد فيه ما يمس أحدًا من القائمين على شؤون المال والسياسة والاقتصاد إلا بالحق بمعنى أن من ارتكب جريمة يحاسب عليها وهذا طبيعي أما من يعمل على التطوير الاقتصادي والعلمي والعلاقات الدولية فهذا ما ينادي به الاخوان وكل هذا يصب في مصلحة الوطن ولا يصح لاحد أن يكره مصلحة الوطن. مسؤولية الإخوان * أيا كانت المخاوف.. وأيا كان مصدرها.. يبقى السؤال عن المسؤول عن تبديدها؟ ** الاخوان أنفسهم.. عليهم أن يعلنوا دائمًا حقيقة برنامجهم.. عليهم أن يتكلموا في الموضوع لا في الشكل.. عليهم ان يتحدثوا بلسان واحد وليس بعدة ألسنة فلا يصح أن يأتي عضو في الاخوان بكلام وفي اليوم الثاني يقول عضو في مكتب الارشاد ما يخالفه ثم في اليوم الثالث يأتى مرشح لمجلس الشعب بكلام ثالث في حملته الانتخابية. الشباب والخبرة الانتخابية *جانب آخر في المشهد يكشف عن اختفاء صناع الثورة.. هل ترى أن الثورة سرقت؟ ** الانتخابات تحتاج إلى تجربة وخبرة سياسية والشباب الثوري كان موجودًا طوال الوقت في الميادين لكنه لا يمتلك التجربة والخبرة.. وقد ترشح عدد منهم ونجح مثل مصطفى النجار في دائرة مدينة نصر والقاهرةالجديدة وزياد العليمي في دائرة أخرى لا اذكرها إلا أن هؤلاء نجحوا بشخصياتهم وليس بالخبرة الانتخابية والاعوام الخمس القادمة ستكون فرصة جيدة لتدريب الشباب وبالتالي سنشهد وجوهًا جديدة تمامًا. * بالمناسبة أطلق عدد من القوى السياسية دعوة لتشكيل حكومة انتقالية بمجرد انعقاد مجلس الشعب ورحيل المجلس العسكري في أقرب وقت.. كيف ترى هذا الطرح؟ ** أنا أعترض عليه لأنه يعني مخالفة الاعلان الدستوري الذي يقول أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيسلم السلطة لجهة منتخبة هي برلمان منتخب ورئيس جمهورية منتخب وقبل ذلك لا يجوز رحيل المجلس العسكري لأن البلد ليست جراج ومفاتيح البلد مفاتيح وطن لا يجوز تسليمها لأحد غير منتخب.. ونفس الأمر ينطبق على حكومة انتقالية ولو سماها البرلمان لأن هذا مخالف للاعلان الدستوري. * لكن الحكومة الانتقالية التي يسميها البرلمان كانت مطلب الاخوان؟ ** هذا المطلب خطأ حتى لو جاء من الاخوان.. لابد ان نلتزم بالاعلان الدستوري ونكمل المسيرة الديمقراطية ونسلم البلد لبرلمان منتخب ورئيس منتخب. * دكتور العوا.. هل تخشى على مصر يوم 25 يناير القادم بعد هذا التحذير المرعب الذي اطلقه أحد اعضاء المجلس العسكري من أن مصر ستحرق في هذا اليوم؟ ** أتمنى أن يكون هذا اليوم احتفالية راقية فأنا في الميدان من 26 يناير حتى 11 فبراير 2011 كنت أصف الثورة بأنها سلمية مدنية تلقائية راقية.. وأتمنى أن يكون هذا اليوم تلقائيًا راقيًا نحتفل فيه بمناسبتين: الأولى نجاح الثورة بعد سنة من اندلاعها والثانية انعقاد مجلس الشعب قبل ذكرى الثورة بيومين ( 23 يناير 2012) وهو أول برلمان منتخب انتخاب حر نزيه في تاريخ مصر.. أنا أريد احتفالية راقية تليق بقيمة المناسبتين، وإن شاء الله لا يحدث شىء ويبقى يومًا احتفاليًا راقيًا صفقة "الخروج الآمن" * تزايد في الآونة الأخيرة همسًا وعلنًا الحديث عن صفقة.. "الخروج الآمن" للمجلس العسكري.. في رأيكم ما مدى صحة التوجه نحو "صفقة" وما مدى مشروعيتها؟ ومن يملك عقدها؟ ** أنا أحزن كثيرًا من تداول هذا المصطلح.. الخروج الآمن يكون للمجرمين والقتلة.. ويكون أيضا لديكتاتور طاغٍ لا تقدر على التخلص منه الا بقانون يمنحه حصانة لكي يخرج هو وعائلته ورجاله ومساعدوه.. مصر الآن ليس فيها مجرمون ولا لصوص.. مصر بها قيادة عسكرية وطنية كلفت ما لا تطيق بادارة شؤون البلاد فأدارتها.. هذا الكلام الذي يتداول في الاعلام يحزنني جدًا لأنه يوحي بأننا نحاول اخراج العصابة بما سرقته وهذا غير صحيح.. والمجلس العسكري ليس عصابة وليس لديه ما سرقه. * لكن حديث الصفقة يشير إلى مخاوف لدى المجلس العسكري من أن البعض يعتبره جزءًا من مكونات النظام السابق وآخرون يتحدثون عن جرائم أو حتى أخطاء ارتكبت خلال المرحلة الانتقالية تستحق المعاقبة. ** هذا الكلام مزعج ومخيف ولا ينبغي أن يكون وحينما يتردد أن الاعلام فاسد وأنتم اعلاميون ولستم فاسدين سوف تنزعجون.. لكن لا يوجد خوف إن شاء الله. الدستور أم الرئيس أولًا * لتسمح لنا بالانتقال إلى جانب آخر أو هم آخر يتعلق بأحدث ثنائيات الجدل: انتخابات الرئاسة أم الدستور أولًا؟.. اين يقف الدكتور العوا؟ ** لا فرق.. بمعنى أننا لو انتخبنا رئيسًا قبل ان نضع الدستور الجديد فسوف يعمل وفقًا للاعلان الدستورى الذي حدد صلاحيات وسلطات الرئيس إلى ان يوضع الدستور ويتضمن نصًا انتقاليًا مثل كل الدساتير يشير إلى إما أن يستمر أو لا يستمر الرئيس الذي انتخب قبله.. أو ننتظر إلى أن نضع الدستور وننتخب الرئيس بموجبه قبل 30 يونيو القادم حسب الجدول المتفق عليه مع القوات المسلحة.. وبالنسبة لى الاثنان سيان والأمر الجوهري هو ألا يدوم الحكم المؤقت يومًا بعد نهاية يونيو القادم. * لكن أيهما تميل اليه؟ ** أنا اميل إلى أن يوضع الدستور أولًا * ومن يدعو للاستفتاء عليه؟ ** المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته الرئيس لأن الدستور القديم لا زال قائمًا وسيسقط بالدستور الجديد. * عفوًا يا دكتور.. هل أنتم واثقون من أن المجلس العسكري سيسلم السلطة في الموعد الذي حدده وهو قبل 30 يونيو القادم؟ ** نعم.. أنا عندى ثقة تامة بأن المجلس العسكري سينفذ ما اتفق عليه بحذافيره.. والخطوات المتخذة تدل على ذلك.. فقد اتفقنا معه على انشاء مجلس استشاري وأنشأه وعلى أن يأخذ قراراته على ضوء توصيات الاستشاري وهذا يحدث.. وأوصينا بتقصير مدة انتخاب مجلس الشورى وبالفعل تم ذلك لتنتهي انتخابات الشورى في 22 فبراير بدلًا من 14 مارس.. أنا أرى استجابة تدل على صدق. " الشورى" بلا فائدة * بالمناسبة.. هل أنتم مع الدعوة لالغاء مجلس الشورى؟ ** نعم.. وأدعو عند وضع دستور جديد إلى الغائه.. لكننا الآن مضطرون لانتخابه فلننتخبه وبعد شهرين يلغى هذا المجلس الذي لا فائدة منه بل تكلفة زائدة بلا مبرر ولن يقدم للوطن أى خدمة. *ولماذا نحن مضطرون الآن لانتخابه ؟ ** لأن التعديلات التي جرى عليها الدستور نصت على انتخاب مجلس شورى ولا نستطيع أن نغير الدستور المستفتى على نصوصه الا باستفتاء جديد. *هل كان ذلك ضمن البنود التسعة التي تم الاستفتاء عليها؟ ** نعم.. ولو كان ضمن البنود ال 54 التي اعلنوها دون ان يستفتى عليها كان يمكن الغاؤه.. لكن المستفتى عليه لا يمكن أن نتلاعب به.. وبالتالي نحن ملزمون باجراء انتخابات مجلس الشورى ثم نحله. أكثر من "الوعد" * هل تتخوفون من دستور بلون واحد تضعه جمعية تاسيسية بلون واحد أيضًا.. وما مدى اطمئنانكم إلى وعد اخواني بتوافق يصنع الدستور؟ ** في اعتقادى أن هذا لن يحدث ابدًا.. وأنا -والحمد لله- مساهم في العمل السياسي اليومي بصورة دائمة واحتكاكي بالقوتين الفائزتين بالاغلبية في الانتخابات (الحرية والعدالة والنور) يؤكد لي انهم صادقون فيما يقولونه عن جمعية تأسيسية ستعبر عن الوطن كله وتضم كل اطيافه.. رجالا ونساء.. مسلمين وأقباطا.. مهنيين وحرفيين موظفين وأساتذة جامعات وقضاة وغيرهم.. وجمعية بهذا التشكيل لا يمكن أن تعبر عن لون واحد.. وليس من مصلحة الأغلبية أن يوضع دستور بلون واحد لأنهم حازوا الأغلبية في هذا البرلمان فماذا لو حاز آخرون الأغلبية في البرلمان القادم.. هل سنغير الدستور؟ *لكنه مجرد "وعد".. * لا.. انه أكثر من الوعد.. لأنهم بدأوا يشيعون ذلك في قواعدهم ويطلبون منهم الدفاع عنه.. ولا يمكن لأحزاب منظمة أن تخسر مصداقية قواعدها. جملة جعلتنى مرشحًا * لنعد إلى الدكتور العوا المرشح المحتمل للرئاسة.. في البداية قررتم عدم ترشحكم بمبرر التخوف من المسؤولية التي ستلقى على عاتق الرئيس خلال المرحلة القادمة..ثم راجعتم موقفكم بمبرر الحاح من دعوكم للترشح على أنكم تمتلكون مشروعًا وسطيًا عملتم عليه منذ عام 1972.. كيف انتصر الالحاح على التخوف؟ ** لا.. في البداية لم يكن هناك تخوف.. كان ترددًا لأننى كنت أتصور أن الحالة الوطنية العامة لا تحتاج من مثلي أو أي أحد مثلي أن يترشح للعمل السياسي في موقع الرئاسة ولكن بعد تطورات الاحداث من فبراير إلى يونيو الماضي وبعد مرور أربعة اشهر ونصف على الثورة وجدت أنه من المصلحة الوطنية أن ألبي نداء كثيرين جدًا لخوض هذه المعركة لأمرين: الاول خدمة الوطن والثانى منع فساد كبير قد يحدث اذا لم يكن هناك مرشحون ينتمون للفكر الذي أمثله وهو الوسطي العربي الاسلامي خاصة أن لديّ مشروعا وطنيا متكاملا بدأته مع اخوان طيبين ومخلصين منذ أكثر من 40 عامًا.. وأنا اذكر واقعة حسمت لأمر صالح القرار بالترشح.. وملخصها أننى التقيت بمهندس من بورسعيد يشغل منصبًا مرموقًا قال لى جملة احترت فيها هل هي خطيرة أم جارحة.. لقد قال لى: أنت لديك مشروع تعمل عليه منذ 1972 ولو قال لك الناس تعالى لتنفذ مشروعك ورفضت فإنك بذلك تخونهم.. كانت العبارة مؤثرة فقلت لنفسى: إذا بلغ الأمر حد الخيانة فلابد أن اترشح وليقل الشعب كلمته. برنامجي يحل أزمة مصر * إذن ما هو برنامجكم الانتخابي؟ وهل تعتقدون أن مشروعكم قادر على تجاوز مصر لأزمتها؟ ** مشروعى باختصار قائم على عدة محاور.. المحور الأول والأهم هو اعادة اكتشاف الانسان لنفسه اين يقصر وأين يؤدى بشكل جيد ويعيد ترتيب أو تجميع كل العناصر ليصبح مصريًا جديدًا بعد الثورة. والمحور الثاني هو بناء دولة القانون.. ومصر ضربت الرقم القياسي في عدد القوانين.. نحن لدينا ترسانة تزيد على 12 ألف قانون.. والأفدح أن جميع القوانين المصرية قائمة على حق الاستثناء لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وغيرهما وعندما لم تجد القوانين أحدًا بعينه تمنحه حق الاستثناء قالوا: الاستثناء للسلطة المعنية.. والسلطة المعنية تعني شيخ الخفراء والفراش الواقف على الباب الذي يستثنى صاحبه ويدخله في الوقت الذي يريد.. نريد أن يكون القانون مبنيًا على المساواة. والاستثناء فكرة هادمة للقانون ومشروعي هو اعادة بناء الهيكل القانوني بحيث تختفي الاستثناءات وتسود المساواة بين الناس أمام القانون والدستور. والمحور الثالث هو اعادة تنظيم القضاء لا بواسطة السلطة التنفيذية لأن تدخلها في القضاء يفسده وانما بواسطة السلطة القضائية فهي التي تضع مشروعات القوانين وتقرها الجمعيات العمومية للمحاكم بالأغلبية ثم يصدر النص القانونى وبذلك يعيد القضاء بناء نفسه. والمحور الرابع والبالغ الأهمية هو اصلاح التعليم وقد سبق أن اطلعت على مشروعات الاصلاح التي عرضت على لجنة السياسات للحزب الوطني المنحل وكلها خرافية.. تبدأ من الكي. جي (التمهيدي) وحتى الجامعة، وهذا يعني أنها تحتاج إلى عشرين سنة لكي تنفذ وبالتالي لن تنفذ لأنه لا توجد حكومة تستمر عشرين عامًا ولا مشروع يظل تحت التنفيذ طوال هذه المدة.. أما البديل عندي فهو مشروعان متوازنان الأول هو تحرير الجامعات من المناهج التي تملى عليها ومن الكتب التي تؤلف خصيصًا لها.. نحن نحتاج إلى علم يطلب في الجامعة وليس علمًا يرضع في الجامعة، والتفاصيل كثيرة لكن ستكون هناك خطة زمنية لاصلاح التعليم تستغرق حوالى ثماني سنوات ولا تقتصر على المناهج فقط ولكن تشمل أيضًا اعداد المعلم وتطوير وتنظيم وبناء المدارس لأن 40% من مدارسنا مؤجرة أو مغتصبة والعلم في المكان المغتصب لا يجوز ويخرج جهلة. لا يخيفك الرئيس المفكر * عفوا يا دكتور الصورة النمطية عنكم هي المفكر.. فهل تعتقدون أن برنامجكم يتضمن حلولًا واقعية وليست تنظيرية لمشاكل المصريين؟ ** وهل الحلول الحقيقية تأتي من الهواء أم تأتي من الفكر؟!.. وعندما يطبع البرنامج سوف ترى أنه لا يشتمل على حلول نظرية أصلًا لأنني عشت حياتي مهمومًا بالهم الوطني مشغولًا بالعمل فيه. وأنا لا أدعي أن لديّ خبرة ليست عند الآخرين لكنني عندي رؤية ليست لدى كثير من الناس وهذا عموما ما يسمونه المفكر.. ثم ان الرؤساء المفكرين هم الذين أنقذوا أوطانهم وانظر إلى حالة الرئيس البوسني الراحل عزت بيجوفيتش كان كاتبًا ومؤلفًا وأستاذ جامعة والرئيس الايرانى السابق محمد خاتمي كان مفكرًا وكذلك مهاتير محمد صانع نهضة ماليزيا وغيرهم.. إذن لا تخيفك حكاية المفكر فهو الذي يستطيع أن يدير أيضًا. نحتاج إلى 300 مرشح للرئاسة * حتى الآن يوجد أكثر من ثلاثة مرشحين اسلاميين محتملين للرئاسة.. هل في ذلك ما يقلقكم؟ وهل ثمة حاجة للتوافق على مرشح واحد؟ وهل ثمة حديث بهذا الشأن بين المرشحين الاسلاميين الثلاثة؟ ** الآن لا.. نحن نريد 100 مرشح اسلامي و100 مرشح ليبرالي و100 مرشح علماني يجوبون مصر كلها ويشرحون وجهات نظرهم في مشاكلها ويقدمون برامجهم وعندما يأتي وقت الانتخاب على كل تيار أن يختار مرشحًا له والا لن تكون هناك انتخابات فقد سمعت أن عدد المرشحين المحتملين للرئاسة 28 وأحدهم قال لى أنهم اصبحوا 70.. من سينتخب من؟ مصر مدنية * لكن.. لدينا الآن برلمان اسلامي فماذا لو اصبح لدينا رئيس اسلامي ايضًا.. ألا يؤثر ذلك على هوية مصر؟ ** حتمًا سيكون التاثير ايجابيًا لأنه سيؤدي إلى عدم الصراع بين الرئيس والبرلمان ومن الخطر أن تبدأ الحياة البرلمانية بالصراع. * أنا أسأل عن هوية مصر ** مصر عربية اسلامية ومدنية ولن تكون الدولة الدينية التي نخاف منها لأنه لا يوجد نموذج لها فمثلًا إيران أعدت دستورًا وقانونًا ولجنة خبراء تغير القوانين ومحكمة دستورية تحكم ببطلانها.. وكذلك السودان شكلت مجلس تأسيس وحلته وانتخبت برلمانًا وحلته وأجرت انتخابات وألغتها إذن لابد من دولة بآليات مدنية.. * لكن الكثيرين يتحدثون عن استنساخ النموذج التركي والاندونيسي والماليزي والباكستاني.. أي نموذج ترشحه للحالة المصرية؟ ** أعتقد أن استنساخ نموذج بلد لبلد آخر أقرب إلى المحال.. كل بلد له ظروفه وتاريخه وتجربته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وما ينجح في بلد لا ينجح بالضرورة في بلد آخر. "البرلماسى" * وأي الأنظمة السياسية تختار لمصر؟ البرلماني أم الرئاسي أم البرلماسي بمعنى البرلماني الرئاسي؟ ** برلماني رئاسي أو برلماسي -كما تقول.. لابد ان يكون نظامًا مختلطًا.. نحن في مصر لا نحتمل رئيس برتوكول.. وأيضًا لا نحتمل في مصر أن نصنع مشروع رئيس ديكتاتور في يده سلطات لا نهائية.. والحل هو النظام الرئاسي البرلماني مثل ما هو موجود في فرنسا. نحتاج إلى رئيس بصلاحيات واختصاصات لا يتجاوزها البرلمان، وبرلمان له صلاحيات لا يتجاوزها الرئيس. لن أنسحب * ما رأيكم فيما يقال عن انسحاب نصف المرشحين من سباق الرئاسة فيما لو اعتمد الدستور النظام البرلماني؟ ** أنا لا أعرف. لكنني لن انسحب.. أنا مستمر في السباق الرئاسي حتى لو تقرر أن يكون النظام برلمانيًا. لن أغير أقوالى كنتم أحد طرفي معركة " العوا/ بيشوى" حيث تبادلتم الهجمات أنتم والأنبا بيشوي أحد قيادات الكنيسة.. ألا تخشون من تأثير المعركة على موقف الاقباط منكم في الانتخابات الرئاسية؟ ** أولًا هذه المعركة لم تكن شخصية كانت معركة للدفاع عن الاسلام ولمنع الفتنة التي قد تحدث حرائق بيننا وبين المسيحيين.. أنا دخلت المعركة بنية اطفاء الحرائق التي قد تحدث لو ترك الكلام عن تحريف القرآن وعن أن العرب ضيوف على مصر 14 قرنًا (وكفاية عليهم كده) وانتهى الأمر بأن ألفت كتابًا عن فتح مصر لكي أفند بالحقائق العلمية هذه الافتراءات وأنا أعرف أن هناك بعض الدوائر ستستغل هذه المعركة لكنني لا استطيع أن اقول عكس ما قلته وأنا مصمم على أن القرآن غير محرف وأن العرب ليسوا ضيوفًا ولا يجوز أن ينظر إلى أغلبية الشعب المصري على انه ضيف لابد أن يرحل.. هذا كلام غير صحيح وثانيًا أنا لا أعرف تأثير ذلك لكن المفروض أن الانسان العاقل عندما يقف امام الصندوق يصوت للعوا إذا كان يرى انه يصلح هذا المنصب ولا يصوت له إذا كان يرى العكس. أين المشروع العربي؟! * كنتم أحد أربعة ممن شكلوا مجموعة للاصلاح والتوفيق بين العراق وايران عندما نشبت الحرب بينهما في أوائل الثمانينيات.. كيف ترون السياسة الايرانية المتهمة حاليًا بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ودول الخليج على وجه الخصوص في ظل وجود حقائق تؤكد ذلك؟ ** علاقتي بايران قديمة جدًا.. وأنا أعرف أن ايران لديها مشروع وطنى واقليمي تدخل فيه الفارسية والاقليمية الاسيوية والتدين الشيعي.. والمشكلة أننا كعرب نفتقد المشروع الوطني والمشروع الاقليمي وعلينا أن نوجد هذا المشروع لكي نواجه المشروع الايراني بالتوازي والمنافسة والموازنة. "شائعات" * د. العوا.. كيف ترون الغبار الذي أثير حول الموقف السعودي من مصر الثورة؟ ** طبعًا شائعات.. أنا اقمت في السعودية ولى صداقات فيها أعتز بها.. وما أعلمه علم اليقين أن الملك عبدالعزيز يرحمه الله اوصى أبناءه بمصر وصية حقيقية وصادقة.. وأنا أرى أن أبناء الملك عبدالعزيز الذين حكموا المملكة حتى الآن يحافظون على هذه الوصية.. وما بين المملكة العربية السعودية ومصر لا يمكن ان يتأثر بازمة عابرة أو شائعة سياسية.. والشعب المصري يكن للمملكة حبًا خاصًا لأن فيها الحرمين الشريفين وكل من يأتي من السعودية ينظر اليه المصريون على أنه قادم من عند الرسول صلى الله عليه وسلم. "شخصنة" العلاقات * وكيف ترى العلاقة بين البلدين الآن؟ وكيف تتصورها لو اصبحت رئيسًا لمصر؟ ** هي الآن أقل بكثير مما أتمنى.. وإذا قدر لي أن اكون رئيسًا فإن العلاقات المصرية العربية والمصرية السعودية على وجه الخصوص من أولوياتي.. لقد خسرت مصر كثيرًا في العالم العربي في عهد حسنى مبارك.. وكانت الأمور "مشخصنة" (اللى دمه خفيف بالنسبة له هو صاحبه.. واللى دمه ثقيل ما يبقاش صاحبه) سأسعى إلى استعادة علاقات مصر بالعرب.. وأنا عندي فكرة قديمة تقول إن المحور الثقافي العربي الاسلامي هو مصر والمملكة والشام. والمحور التكنولوجي الاقتصادي التسويقي هو القاهرة وأنقرة وطهران.. ويمضي المحوران إلى ان يلتقيا معًا. * ما هو برنامج زيارتكم للمملكة؟ ** سأكون في المملكة يوم الجمعة الثالث عشر من يناير (اليوم) وسأشارك في أعمال لجنة اختيار الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية في اليوم التالي وسنعلن النتائج يوم الاثنين وقبل أن أعود إلى مصر في الجمعة التالية سوف التقي بالجالية المصرية في الرياضوجدة إن شاء الله.