تعدّ الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالسعودية إحدى مؤسسات المجتمع المدني المستقلة في كيانها وأهدافها عن الجهات الرسمية، فهي تسعى إلى حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها ونشر ثقافتها واتخاذ الإجراءات العملية واللازمة لمعالجة الشكاوى أو التجاوزات المتعلقة، إضافة إلى قيامها بإعداد التقارير والندوات والمؤتمرات والدراسات وإصدار البيانات المتخصصة في الدفاع عن الحقوق المجتمعية والإنسانية وحمايتها، لكن البعض يرى أنّ الجمعية لم تقدم شيئاً ملموساً على أرض الواقع حيث تعتبر مجرد واجهة لا قيمة لها، إضافة إلى أنّ الجمعية يبدو وكأنّها تعاني من ندرة وقلة الدراسات المعنية بمجال حقوق الإنسان، لكن السؤال الذي يلوح في الأفق من قبل الكثيرين يتمثل في ما هية الإجراءات العملية التي من شأنها أن تسهم في نجاح هذه الجمعية على أرض الواقع ؟، وكيف يمكن ترجمة كثير من نصوصها وأنظمتها ؟، وهل يستدعي ذلك ربطها بالسلطات التشريعية والتنفيذية لضمان نجاحها ؟، وما الإنجازات والنتائج التي حققتها الجمعية منذ نشأتها وحتى هذه اللحظة، "الرسالة" ناقشت مع الأكاديميين والخبراء أبعاد القضية في ثنايا التحقيق التالي: في البدء أشارت الناشطة الحقوقية والعضو التنفيذي بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين، إلى أنّ إعداد التقارير والندوات والمؤتمرات وإصدار البيانات هي جزء من عمل الجمعية، فهي تقدم مشاريع وبرامج في مجال حقوق الإنسان، وتقوم بالتنسيق مع الجهات الرسمية والمسؤولين مباشرة لمتابعة الشكاوى والقضايا العامة وتعمل على متابعة كل قضية تقدم إليها، مضيفةً بأنّ منسوبي الجمعية مكلفون بمتابعة القضايا ومتابعتها مع الشخصيات والمسؤولين المعنيين بكل قضية من أجل ضمان حفظ حقوق الإنسان، إضافة إلى ذلك فإنّ الجمعية تقوم باقتراح الأنظمة المتعلقة بهذا الشأن ودراستها مثل مشروع حفظ وحماية مرضى الايدز والمتعايشين معه وتمّ رفع هذا المشروع للجهات المختصة منذ فترة لإقراره. مشكلة تنفيذية وحول سبب ندرة وقلة الدراسات المتعلقة بمجال حقوق الإنسان من قبل الجمعية قالت: هناك دراسات عديدة على مستويات عديدة لكن المشكلة الأساسية في عدم تنفيذها يكمن في الحاجة إلى تمويل ودعم مالي كبير، لتغطية تكليف هذه الدراسات والعمل على تنفيذها على أرض الواقع، وذلك لأنّ ميزانية الجمعية محدودة، حيث تلقت الجمعية قبل 8 سنوات تبرعاً من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بلغ نحو 100 مليون ريال، تغطي به الجمعية مصروفاتها ومستحقاتها، وحتى تحافظ الجمعية على رأس المال وتعمل على تنميته قامت بشراء عدة عقارات من هذا المبلغ، وأضافت: في جعبة الجمعية الكثير من الدراسات التي ترغب في تنفيذها لكن المصروفات المالية لها تحول دون تنفيذها، إضافة إلى ذلك فإنّ الجمعية تبدي رغبتها في إنشاء مرصد وطني يتمّ تخصيصه للإحصائيات المتعلقة حول المؤسسات الصحية ومدى توفرها في القرى والبوادي والهجر، وفكرة المشروع لاقت ترحيباً كبيراً من قبل العديد من الجهات وبدأت الجمعية بهذا الخصوص اتصالات واسعة للإعداد للمشروع، لكن الجمعية اصطدمت بالتكاليف المرتفعة لمثل هذا المشروع، إذ أنّ الجمعية محتاجة إلى دعم متواصل من قبل الجهات المعنية، كما أنّها بحاجة إلى تخصيص ميزانية سنوية ثابتة حالها في ذلك كحال هيئة حقوق الإنسان التي لديها ميزانية ثابتة. استقلال الجمعية وتؤكد زين العابدين على أهمية أن تظل الجمعية محافظة على استقلاليتها، حتى تحظى بحرية التصرف والتحرك، وتستطيع من خلالها انتقاد أي جهة أخرى وتبين سلبياتها من دون أن تقابل أحداً يخرسها في مسيرة عملها، فاستقلالية الجمعية يمنحها إبداء الرأي في كثير من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان دون أن تجد من يعيقها، مشيرةً إلى وجود اهتمام ملحوظ من قبل الجهات الأخرى حول القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، إذ يجب التأكد من تنفيذ المملكة لالتزاماتها تجاه قضايا حقوق الإنسان، والعمل على إجراء توافق بين الأنظمة والمواثيق الدولية والعربية ودراسة المواثيق والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان الدولية وتطبيقاتها، وشددت في الوقت نفسه على ضرورة توفير الدعم المالي من قبل رجال الأعمال للقيام بالدراسات والندوات والمؤتمرات، وكذلك إقامة أوقاف خاصة للجمعية لضمان تمويل المشاريع والبرامج والندوات التي تقوم بها الجمعية، مشيدةً بأهمية دعم الجمعية مادياً لأنّها تقدم خدمات اجتماعية وثقافية للمواطن والمقيم، وترفع الظلم عن كثير من شرائح المجتمع التي تتولى قضاياهم، وتنشر ثقافة حقوق الإنسان بين أوساطهم، فإذا عرف كل إنسان ماله وعليه، ونشرت الثقافة الحقوقية بين أفراد المجتمع فإنّ كل إنسان سوف يسعى لاسترداد حقه وحينئذ سيأخذ كل ذي حق حقه. القضايا والشكاوى من جانبه أشاد المفكر والكاتب الدكتور محمد المحفوظ بجهود الجمعية في العمل على حل الإشكالات والانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان أو محاولة الانتقاص منها، وذلك وفق نظامها الأساسي الذي يوفر لها القيام بدورها على هذا الصعيد، وأشار إلى أنّ الاقتصار فقط على تدريب موظفي ومنسوبي الجمعية على هذه المفاهيم والقيم أو إصدار التقارير لا يكفي من أجل أن تحقق التميز في هذا المجال، فهي بحاجة للوقوف على نتائج القضايا والشكاوى الواردة لها والعمل على حلها، ورأى على أنّ المبلغ الذي تمّ تقديمه على زمن خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله كافٍ للقيام بكثير من الأنشطة على مستوى الجمعية، فإذا كان هناك قصور في الميزانية فيجب متابعة مثل هذا الأمر مع الجهات المسؤولة والمؤسسات الخيرية ورجال الأعمال وحينها لن يبخل أبناء الوطن على تقديم يد العون والمساعدة للجمعية، فأبناء الوطن قد تعودوا على البذل والعطاء. شدد المحفوظ على ضرورة أن تبقى الجمعية محافظة على استقلاليتها للحفاظ على عوامل النجاح والاستمرار، وألاّ تكون جزءاً من المؤسسات الرسمية، فمثل هذه الجمعيات يتجاوز دورها القضايا التشريعية والتنفيذية، وإنّما يبقى عليها المكاشفة والمتابعة مع الجهات الأخرى في قضايا حقوق الإنسان، والعمل على خلق تفاهمات حقيقية بين الجمعية والجهات والدوائر الحكومية على آلية عمل محددة، إضافة إلى أهمية توفير خطاب إعلامي صريح من قبل الجمعية باتجاه دعم ونشر ثقافة حقوق الإنسان وعدم الاكتفاء فقط بإصدار التقارير الشهرية والسنوية. جديدة ووليدة من جهته رأى الناشط والباحث الاجتماعي الدكتور عبدالعزيز الغريب بأنّ ثقافة حقوق الإنسان وتطبيقاتها تعتبر جديدة ووليدة على المجتمع السعودي، وعند ظهور المواثيق والقوانين الدولية المتعلقة في هذا المجال أصبح لزاماً على الدولة أن تشكل جمعيات متعلقة بحقوق الإنسان، منوهاً على أنّ الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تحتضن في هيكلها العقول الرسمية، فهم من موظفي الدولة أساساً وبالتالي تعاطيها مع الواقع يظل محدوداً مع حداثة التجربة في هذا المجال، وشدد على أهمية الولوج داخل قضايا جوهرية في حقوق الإنسان، وأنّ يكون هناك تركيز على إبراز القضايا الحقوقية في الإعلام، وكذلك أهمية تنفيذ برامج تعنى بحقوق الإنسان أكثر حرفية وإبداعاً، ولا مانع من الاستعانة بخبراء دوليين وعرب، مع استقطاب شرائح واسعة من المجتمع، ودراسة البرامج والأنظمة الأخرى والعمل على تبنيها، وأشار إلى وجود اهتمام جيد من قبل وزارة الداخلية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال حقوق الإنسان ولكنهّ يبقى جهداً متواضعاً بحاجة إلى مزيد من التطوير والاهتمام. إثبات الوجود وكشف الغريب عن أنّ مؤسسات المجتمع المدني بحاجة دائمة إلى تمويل مادي وبرامج جديدة لضمان عملية الاستقطاب والتأثير على المجتمع، وعليها ألا تعول كثيراً على دعم الحكومات التي في بعض الأحيان قد تقدم الدعم لهذه المؤسسات وفي غالبيتها ربما لا تقدم هذا الدعم، ملمحاً إلى أهمية ابتكار أفكار وبرامج إبداعية تعنى بمجال نشر ثقافة حقوق الإنسان، والعمل على إيجاد أوقاف تابعة للجمعية، واستقطاب رجال أعمال لدم مشاريع الجمعية، والعمل على استقطاب المجتمع من خلال النزول إلى الساحة وذلك حتى تثبت وجودها وتقنع المجتمع بأهميتها، وهنا تستطيع الجمعية أن توجد حلاً لإشكالية التمويل بعد عملية إثبات الوجود أمام الجميع، مشيراً إلى أهمية أن تبقى الجمعية هيئة مستقلة حتى يكسبها ذلك طابعاً اعتبارياً أمام المجتمع، وهذا سيتيح لها الفرصة للعمل بمصداقية أكبر مع الجهات الأخرى، إذ أنّ مسألة الاستقلال عن الجهات الرسمية يعدّ مطلباً وأمراً ضرورياً للجهات المدنية والحقوقية ذات الطابع المعاصر، وأكد على أنّه لا يمكن الوثوق بها حينئذ إذا ما تمّ ربطها بالدولة، ويخلق لها أزمة متعلقة بالثقة حيال الربط بالسلطة التنفيذية، إضافة إلى أنّ الثقة تكاد تكون معدومة حتى فيما يتعلق باختيار شخوصها، متسائلاً في الوقت نفسه كيف يكون موظفو حقوق الإنسان في أساسهم من موظفي الحكومة، الأمر الذي سيخلق إشكالية كبيرة في مصداقيتها وفي عملية اتخاذها للقرارات وفي التحرك على أرض الواقع، ومن هنا فيجب اختيار شخصيات مستقلة لضمان نجاح عمل مثل هذا النوع من الجمعيات، حيث إنّه من المهم أن تحافظ الجمعية على استقلاليتها حتى يؤدي ذلك إلى خلق مزيد من الثقة والمصداقية تجاهها. جهة ناشئة من ناحيته أوضح عضو مجلس الشورى السعودي الأستاذ سليمان الزايدي أنّ الجمعية الوطنية تعدّ جهة ناشئة، والأعمال التي قامت بها حتى هذه اللحظة تتجاوز عمرها الزمني، وقال: من المتوقع بلا شك أن يكون للجمعية في المستقبل إنجازات ملحوظة على مستوى حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها بشكل أكثر توسعاً وتعمقاً، مشيراً إلى أنّ الجمعية تسعى إلى أن تحمي أي حق مهدر، ولديها برامج ومشاريع مستقبلية من أبرزها نشر ثقافة حقوق الإنسان والتي يجهلها كثير من المواطنين والمقيمين، ومن هنا فإنّ الدور التثقيفي الذي تقوم به الجمعية يعدّ أحد أبرز برامج الجمعية، لأنّ الذي لا يعرف حقوقه لا يمكن له الحصول عليها بشكل كامل وعادل. وأضاف أنّ الجمعية تعتمد في تغطية مصروفاتها ونفقاتها على المنحة الملكية التي قدمها الملك فهد رحمه الله وهي تسعى إلى تدبير شؤونها في الوقت الحاضر عبر هذه المنحة، وتجدر الإشارة إلى أن الأعضاء العاملين فيها هم من المتطوعين الذين لم يتقاضوا على أعمالهم أي مخصصات مالية، مؤكداً على أهمية تخصيص الحكومة في المستقبل القريب ميزانية ثابتة للجمعية حتى تستطيع الوقوف على أقدامها والتوسع في برامجها ومشاريعها، وشدد على أهمية محافظة الجمعية على استقلالها، حيث إنّ الحاكم الأساسي لها هي جمعيتها العمومية فهي السلطة العليا التي تملك القرار لأنّ هذا النوع من الجمعيات يأخذ الطابع المدني الذي لا سلطة لأحد عليها سواء في أنظمتها أو شخوصها، مهيباً بضرورة ابتكار برامج جديدة تحقق أهدافها المنشودة. الأداء الحقوقي من ناحيته رأى المفكر والقاضي السابق في وزارة العدل الدكتور محمد الدحيم أنّ للجمعية الوطنية دورا كبيرا في المرافعة والمطالبة بحقوق الإنسان، وما تقوم به من الندوات والمؤتمرات وإصدار البيانات هو جزء لا يتجزأ من الجهود التي تبذلها الجمعية من أجل نشر الثقافة الحقوقية، وأيضاً تعمل على متابعة الشكاوى والمخالفات والتجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان ومراقبة الأداء الحقوقي في الجهات المختلفة ومتابعتها مع الجهات المختصة. وحول سبب ندرة وقلة الدراسات المعنية بمجال حقوق الإنسان المقدمة من قبل الجمعية أوضح أنّ قيمة المبلغ الذي تبرع به الملك فهد رحمه الله للجمعية لم يتم استثماره على الوجه الأكمل، وحث المؤسسات الخيرية ورجال الأعمال على أهمية تقديم الدعم المالي للجمعية من أجل ضمان عملها الحقوقي، والتحرك من أجل توفير الدعم المادي لها، وشدد في الوقت نفسه على أهمية تحقيق الشفافية من قبل أعضاء ومنسوبي الجمعية تجاه المبالغ التي تمّ تخصيصها وأين تمّ صرفها، ومبدأ الشفافية والوضوح في قضية المصروفات المالية للجمعية يضمن لها الأداء الحقوقي المميز، وأكد على ضرورة استقلالية الجمعية ودعم ربطها بالجهات الرسمية، وطالبها بالتعاون مع الجهات الأخرى لإحقاق الحق، وقال:إذا رأت الجمعية على الجهات التنفيذية أي تجاوزات أو انتهاكات عليها أن تقوم برصدها وتحاول تصحيحها. المخاطبات والشكاوى من جانبه اعتبر الناشط الحقوقي الأستاذ فهد العريني، أنّ الجمعية تعدّ واجهة رسمية ودورها يكاد يكون محصوراً في إرسال المخاطبات والشكاوى فقط، مؤكداً في الوقت نفسه على أهمية إنصاف الجمعية خصوصاً في الفترة الأخيرة حيث كان لها دور واضح فيما يتعلق برصد بعض الانتهاكات والتجاوزات مثل قضية استقلال القضاء وضرورة تعزيز استقلاله وحماية القضاة من التدخل والتأثير عليهم، ومحاسبة المقصرين منهم، كما طالبت الجمعية بوضع نظام الإجراءات الجزائية موضع التنفيذ الفعال والعاجل، بما يضمن الإفراج عن المسجونين الذين استنفدوا محكومياتهم، والتعامل مع الموقوفين الأمنيين، بما يوفر تواصلهم مع أسرهم والدفاع عنهم، مع تمكين هيئة التحقيق والادعاء العام من سرعة مباشرة قضاياهم والبت فيها، وتفعيل الرقابة على السجون، كل هذه الجهود من قبل الجمعية كانت محل إرضاء الجميع، وحث الجمعية على ضرورة إصدار تقارير متعلقة بقضايا السجناء، وأن يتم توفير الدعم المادي الكافي من خلال رصد ميزانية ثابتة لها وذلك لأجل ضمان عمل الجمعية في المجال الحقوقي والإنساني. وشدد العريني على أهمية حفاظ الجمعية على استقلاليتها ونزاهتها من خلال تعيين رئيس الجمعية ونائبه ومنسوبيها عن طريق الانتخاب، ودعا إلى دعمها من الجهات الرسمية والأفراد، مشيراً إلى أنّ الجمعية لم تعمل على وضع آلية عمل واضحة ومحددة تضمن عدم تدخل أي جهة رسمية بها، وقال: لابدّ من وضع آلية توضح طريقة التعامل مع الجهات الأهلية والرسمية والأنظمة التي تسير عليها حتى تضمن استقلاليتها ونزاهتها وعدم تدخل أي جهة فيها. جمعية نخبوية بدوره أشار الكاتب الصحفي الأستاذ عبدالعزيز السويد، إلى أنّ دور الجمعية لا يقتصر فقط على إعداد التقارير الدورية والرسمية وإقامة الندوات والمؤتمرات، وإنّما يتعدى دورها في التحسس وتتبع التجاوزات والانتهاكات الموجودة داخل المجتمع، وتوعية الناس بمعنى حقوق الإنسان وماذا تعني لهم هذه الحقوق والحد الأعلى والأدنى منها، وقال: الجمعية لها دور مهم في نشر الثقافة الحقوقية وتعزيزها بين أفراد المجتمع، مؤكداً أنّ مسألة قلة الموارد المالية لدى الجمعية ليست حجة في عدم استمرار أنشطتها وبرامجها ودراساتها، وأشار إلى أن الدعم الذي قدمه المرحوم الملك فهد يدخل ضمن إطار ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في المجتمع، مشدداً على أهمية أن تقنع الجمعية الناس بأعمالها وأهدافها حتى يساهموا في دعمها مادياً ومعنوياً، حالها في ذلك كحال الجمعيات الخيرية التي اقتنع الناس بأهمية دورها وأهدافها التي نشأت من أجلها، وأعرب عن اعتقاده بأنّ الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تعدّ نخبوية وقال: 80% من المجتمع لا يعرفون شيئاً عن الجمعية وبرامجها وأهدافها، وهذا يعود إلى عدم وجود توعية حقيقة من قبل الجمعية لشرائح المجتمع، وإلى عدم وجود برامج تشارك الناس همومهم وتلامس اهتماماتهم، وأضاف لابدّ على الجمعية أن تنزل إلى مستوى الناس وتعمل على توعيتهم بأهمية الدور الذي تمارسه على أرض الواقع، أما أنّها تطلب الدعم والتبرع والمساهمة من رجال الأعمال وأهل الخير من دون أن تقوم بهذا الدور فلن يستجيب أحد لمطالبها. وحول ربط الجمعية بالسلطات التشريعية والتنفيذية لضمان نجاحها قال: أي ربط للجمعية بجهاز رسمي أو تمثيلي يعني تعطيل الدور الذي أنشئت من أجله، فهي وجدت كوسيلة واقية وأداة لحماية المجتمع، وأن تكون بعيدة في الأساس عن البيروقراطية والطابع الرسمي، وألا ترتبط بالأنظمة واللوائح النابعة من البيروقراطية"، مشدداً على أهمية استقلالها عن الدوائر الرسمية حتى تباشر عملها بشكل سليم. التربية والتنشئة من جهته أوضح الأكاديمي والخبير الاجتماعي الدكتور محمد الوهيد، أنّ إعداد التقارير والندوات والمؤتمرات والدراسات وإصدار البيانات يعدّ أحد الوسائل للدفاع عن حقوق الإنسان، وأشار إلى أن هذه الثقافة يجب أن تنبع من داخل نفس الإنسان عن طريق التربية والتنشئة، كما يجب تعزيز مثل هذا القيم داخل المجتمع، وفي الأسرة، وفي الشارع، وفي الإعلام، وفي المناهج التعليمية، وفي الخطاب الديني، وفي المجالس وفي كل مكان، مشيراً إلى أنّ الجمعية تبذل جهوداً جيدة في إطار المسموح لها، لكنها تظل غير كافية، ويجب أن تشمل كافة المجالات الاجتماعية والثقافية والدينية، وكذلك يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مطابقة لأحكام التشريع الإسلامي لتشكل منظومة متكاملة ولتخدم بذلك الإطار العام لحقوق الإنسان. وحول ندرة الدراسات المعنية بمجال حقوق الإنسان وقلة الموارد المالية للجمعية أشار الوهيد إلى أنّ الجمعية يدعمها المجتمع، ولكن كيف يدعمها وهو لم يقتنع بها، حيث ينظر المجتمع في غالبيته إلى الجمعية على أنها واجهة حكومية مقتصرة على دعم الناس مادياً وتقديم التبرعات لهم، وأوضح أنّ هناك صورة نمطية خاطئة كان قد شكلها المجتمع حول الجمعية وأهدافها، فهم لا ينظرون إلى الجانب التشريعي والحقوقي لهذه الجمعية بقدر ما ينظرون إلى الجوانب المادية. حلف الفضول وشدد في الوقت نفسه على أهمية تخصيص موارد مالية دائمة من خلال اقتطاع جزء من أموال الزكاة، وهذا يعود إلى أهمية مثل هذه الهيئات والجمعيات الحقوقية في المجتمع، وأوضح أنّ أول هيئة نظمت لحماية حقوق الإنسان تمثلت في حلف الفضول الذي تمّ في دار عبدالله بن جدعان حيث اجتمع فضلاء قريش وتعاهدوا أن لا يدعوا من أهل مكة ومن يدخلها مظلوماً إلا كانوا معه على ظالمه وسمي هذا الحلف "بحلف الفضول"، حيث يعتبر هذا الحلف أول منظمة أو جمعية لحقوق الإنسان في العالم ولقد قال محمد صلى الله عليه وسلم: "لو دُعيت لمثله في الإسلام لأجبت"، وهو ما يوضح مدى تمسك الإسلام بمسألة حقوق الإنسان، وحث رجال الأعمال على مد يد العون لتعزيز الثقافة الحقوقية في المجتمع عن طريق البرامج التلفزيونية والبرامج التثقيفية. وحول ربط الجمعية بالسلطات التشريعية والتنفيذية بهدف تعزيز نجاحها، قال: أرى أن تبقى الجمعية مستقلة لأنّ كل سلطة لها دورها الخاص بها، وربطها بالسلطات الأخرى يعني العمل على تقييدها وليس تطويرها، ومثل هذا النوع من الجمعيات وجدت لتبقى مستقلة عن الجهات الأخرى، وإدخالها في منظومة رسمية يعني وضعها في منظومة واحدة، ودور الجمعية يتمثل في رفع مستوى الناس بالثقافة الحقوقية وتوجيههم وتعزيز الدور الرقابي داخل المجتمع، وذلك ضمن إدارة تتمتع بالاستقلالية والموضوعية فيما يبقى دور السلطات التشريعية والقضائية مقتصراً على الجهات الرسمية. بداية الطريق من ناحيته أعرب الأستاذ المساعد في قسم الاجتماع بجامعة الملك سعود الدكتور خالد الرديعان عن اعتقاده بأنّ إعداد الدراسات وعقد المؤتمرات والندوات أمر في غاية الأهمية لأنّ ذلك يروج " لثقافة حقوق الإنسان" بحكم أن هذه الثقافة ظلت لسنوات طويلة مغيبة في معظم الدول العربية التي هيمنت عليها أنظمة مستبدة، وقال: "صحيح أنّ الدول العربية لا تزال في بداية الطريق في مسائل حقوق الإنسان بفعل الضغوط الغربية إلا أنّ من المهم عدم التقاعس والاستمرار في تعميق هذه الثقافة لأننا يجب أن نعمل كذلك للأجيال القادمة"، وأضاف ليس من الضروري أن نقطف الثمرة الآن، بل يجب التفكير في المستقبل للحد من مستويات الظلم وإشاعة العدل، موضحاً أنّ عقد ندوة كبيرة أو مؤتمر أو إصدار تقرير حول حقوق الإنسان وتسليط الضوء من قبل وسائل الإعلام على هذا الحدث يعد عملاً مهماً للغاية يساهم في تعميق وعي الفرد بحقوقه وان كان بصورة متدرجة وربما بطيئة. وأضاف: وللحقيقة فإنّ عبارة "حقوق الإنسان" كانت رجساً من عمل الشيطان منذ عدة سنوات بل إنّ المتلفظ بها كان يوصم بأقذع العبارات بحكم أنّه مصطلح غربي، في حين كان الحديث يدور عن حقوق الإنسان في القرآن التي لم يتم للأسف إنزالها على أرض الواقع كقوانين ملموسة"، مشيراً إلى أن بعض الدول العربية لم توقع على ميثاق 1948م والخاص بحقوق الإنسان إلا منذ سنوات قليلة، وأرجع ذلك إلى سوء فهم المصطلح من جهة، ومن جهة أخرى إلى كون مفهوم حقوق الإنسان يتعارض مع فعل الاستبداد الذي كان متفشياً في المجتمعات العربية. التمويل الكافي وحول ندرة الدراسات المعنية بمجال حقوق الإنسان وقلة الموارد المالية للجمعية قال: صحيح لا يخصص لجمعيات حقوق الإنسان مبالغ كافية من ميزانيات الدول، وصحيح أنّ بعضها ينضوي تحت ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني ولا تستلم قرشاً واحداً من ميزانية الدولة، إلا إنّ هذا لا يعني بأنّ هذه الجمعيات لا تعمل أو أنّها محدودة الحركة، فهي تعمل بكل ما أوتيت من طاقة وذلك طبقاً لهامش الحرية المتاح لها وهو هامش يتسع شيئاً فشيئاً بفعل العولمة، ووسائل الإعلام والتواصل الحديثة التي كشفت المستور وجعلت الحكومات العربية في حرج، مشيراً إلى أنّ المخرج من ضيق الموارد المالية المتاحة لجمعيات حقوق الإنسان يتمثل في حصولها على دعم كافٍ من الأفراد ورجال الأعمال وليس من الدولة وذلك في صورة تبرعات واشتراكات سنوية أو عن طريق جمع الزكاة، كما يمكن أن تخصص أوقاف خاصة بها كاستثمارات بحيث تصبح مستقلةً مالياً، مشيراً إلى أنّ الجهات التي تحصل على دعم حكومي وإن كان زهيداً قد لا تكون مستقلة في قراراتها ومن ثم تنحرف عن رسالتها، وبالتالي فإنّ المخرج من هذا المأزق هو أن تكون هذه الجمعيات مستقلة مالياً وأن توسع نشاطاتها للحصول على دعم مباشر من الأفراد ومن المؤمنين برسالتها من خلال حملات إعلامية توعوية تبين دورها وتقنع الفرد بالدور الذي تقوم به في الدفاع عن حقوق الإنسان. وحول ربط الجمعية بالسلطات التشريعية والتنفيذية لضمان نجاحها أوضح أنّ جمعيات حقوق الإنسان حتى تكون فاعلة وذات جدوى، يجب أن تكون مستقلة ماليا وأن تكون لها موارد ثابتة حتى تستطيع الحركة دون قيود مالية، مشدداً على أنّ ربطها بالسلطات التشريعية والتنفيذية سوف يعوق مهمتها وخاصة في الدول غير الديمقراطية، وقال: يجب أن يكون أعضاؤها منتخبين ومن مختلف الأطياف الاجتماعية والمهنية وأن يكون لها ممثلون ممن يعملون في مختلف القطاعات بشرط أن يكون تمثيلهم لزملاء المهنة ولأصحاب المظالم، وليس تمثيلاً للجهة الحكومية التي يعمل بها العضو، مقترحاً بهذا الخصوص التركيز على حقوق الإنسان في المناهج التعليمية وخاصة في المرحلة الثانوية و الجامعية كأن يخصص مادة تتناول حقوق الإنسان وسبل حمايتها، مؤكداً على أهمية أن تكون هذه الجمعيات بعيدة جداً عن الفئوية والطائفية والمناطقية والعشائرية حتى تقوم بمهامها للجميع وبحيادية صارمة ذات مصداقية عالية. الإثارة الإعلامية من ناحيته أكد المحامي والمستشار القانوني أحمد ثابت عسيري، بأنّه من الصعب الحكم على أعمال الجمعية بالسلب أو الإيجاب وقال: من الواضح أن لها جهوداً جيدة حتى ولو لم تظهر بالشكل الكافي، وأضاف أنّ كافة الجهود في هذا المجال من أية جهة تحظى بالتقدير من كافة شرائح المجتمع، وأشار إلى أهمية نزول المعنيين إلى الميدان وزيارة من ينتظر المساعدة في مكانه والوقوف عن كثب على المعاناة ومن ثمّ التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحقيق النتائج المرجوة، مشيراً إلى أنّ ملامسة الواقع والزيارات أجدى وأنجع نفعاً من الإثارة الإعلامية، فالتصعيد الإعلامي لا ينفع في كل القضايا وقد يؤدي إلى نتائج عكسية. نقصان التصور وفي الإطار نفسه قال: الأكاديمي والباحث الشرعي الدكتور عبدالعزيز البجادي، الواقع يخبر بأنّ المجتمع لا يعرف كثيراً عن تلك الجمعية، وتساءل هل الدفاع من الجمعية يكون أمام الأفراد، أم القطاعات العامة، أم الجهات الرسمية؟، وأضاف أن التصور المأخوذ عن أعمال وإنجازات الجمعية يعدّ ناقصاً وليس كاملاً، لكن بشكل عام لا تكفي المؤتمرات والتقارير والندوات في أي جمعية دفاعية ما لم يكن لها صلاحية البت في القرارات، واستنادها إلى جهة تنفيذية قادرة، وشدد على أهمية الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة ودراساتها في مجال حقوق الإنسان والذي سيجعل الجمعية تتلافى كثيراً من الأعباء المالية. وحول ربطها بالسلطات التشريعية والتنفيذية لضمان نجاحها، اعتبر أنّ ربطها بالسلطات التشريعية سيجعل عملها غير واضح، لأنّ هذا سيجعلها تتقاطع مع المحاكم الشرعية والمالية والقانونية، وأما استنادها إلى سلطات تنفيذية فهو أمر لا نجاح لها إلا به، مؤكداً على أهمية بقائها مستقلة للحفاظ على موضوعيتها واستقلاليتها. رئيس الجمعية هناك العديد من المنظومات كحقوق العمال والمعاق القحطاني:إعداد التقارير والندوات والمؤتمرات وإصدار البيانات ليس كافياً اعتبر رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني، أنّ إعداد التقارير والندوات والمؤتمرات وإصدار البيانات ليس كافياً للدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان، وإنّما يعد وسيلة لنشر هذه الثقافة، وقال: هناك أدوات أخرى مثل الإعداد والتدريب والتأهيل وإدخال مواد تعليمية تعنى بحقوق الإنسان في المناهج التعليمية بالمراحل المختلفة، والجمعية لديها العديد من المنظومات التي تعنى بحقوق الإنسان مثل: حقوق العمال والمعاق والإنسان والتعليم وحماية المستهلك، كما أنّ لديها العديد من الإمكانات التي من شأنها تحقيق الآمال والتطلعات التي تصبو إليها الجمعية في المستقبل. وأكدّ القحطاني على أن سر نجاح الجمعيات الحقوقية والمدنية يكمن في استقلاليتها وهذا سيؤدي إلى مباشرة عملها بشكل نزيه وموضوعي، فلا بدّ للجمعية أن تضمن استقلاليتها وهذا ما أكد عليه المقام السامي وحيث أشار إلى أنّها هيئة مستقلة، لكي تحقق رسالتها وأهدافها الحقيقية التي نشأت من أجلها بشكل أكثر نزاهة، وأهاب بالجهات الرسمية التعاون والتعاطي مع الجمعية من أجل ضمان نجاحها وقيامها بأعمالها الحقوقية.