بعدما طردوا من (المدينة الفاضلة) انتشروا كالجراد ليملأوا الكرة الأرضية صراخًا وعويلاً... إنّهم الشعراء حاملو المشاعل المضيئة وأمراء الكلمات التي تلد العاصفة، وقد كانت القبائل العربية قديمًا تحتفل بنبوغ الشاعر وذلك إيمانًا منهم بأهمية الكلمة وقيمتها عندهم، فالشاعر – بالنسبة لهم – اللسان الذي يتحدثون به، والدرع التي ترد الهجمات. والشعر في حياة العربي مرآة صافية تعكس ما حولها من مفارقات هذه الحياة، إنّه كاميرا عالية الجودة لتصوير حياة الصحراء؛ حيث الخيام المنصوبة، وجلسات السمر، وليل الصحراء الهادئ، وأصوات الرعاة القادمين خلف قطعان الماشية؛ لهذا أو ذاك اهتمت العرب بالشعر لدرجة أنهم علقوه على أستار الكعبة وضربوا أكباد الإبل إلى (المربد) طلبًا لسماع الشعر، ورغم انطواء صفحات الأيام، وتطور العصر، وتساقط بعض الأشجار الشعرية السامقة؛ فلا زال بستان الشعر العربي يزدان ببعض النماذج العطرة التي تمحو عن سمائنا الخوف، وتشق جداول الأمل، وتشكّل قوالب الجمال الحية. ولو سئلت عن الشاعر الحق لقلت: إنه نسر يغتسل تحت أمطار الكلمات الملونة ويطير بأجنحة الخيال المشتعلة ولا يعيش إلا في القمم التي تموت دونها ملايين الطيور المزيفة.