أكد عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي رئيس جامعة العلوم الاسلامية العالمية بالأردن الدكتور عبدالناصر أبو البصل أن استخدام البصمة الوراثية في الأمور القضائية وما تتطلبه الحاجة فقط، معتبرا المناداة بها في جميع شؤون الحياة عبثا يجرّ المجتمعات إلى مشكلات ومفاسد جمة لا يمكن حصرها. وانتقد أبو البصل وسيلة ضرب الأبناء لإيقاظهم للصلاة كوسيلة لتحقيق الهدف المبتغى، وقال : إن ذلك ان لم يحقق هدفه فلا يجوز حينئذ استخدامه، مؤكدا أهمية تنويع الآباء أساليبهم وطرق معالجتهم لمشاكلهم تربويا، لمظاهر العصر الجديد المنفتح على مصراعيه لكل شيء. وإلى نص الحوار: * هل هناك ارتباط بين الفقه والسياسة الشرعية؟ - نعم، لأن السياسة الشرعية مبنية على أصول إسلامية وهو ما يعرف بفقه السياسة الشرعية. * هناك بعض القضايا الفقهية المعاصرة ومنها الحمض النووي في اثبات النسب والقرابة. رأيكم من الناحية الشرعية؟ وهل هو دقيق لهذه الدرجة؟ - من حيث الدقة فهو دقيق، يكاد أن يكون 100%، لكن الحمض النووي أو البصمة الوراثية لا يجوز اللجوء إليها إلا عند التنازع على مجهول النسب، أما إذا لم يكن هناك تنازع فلا داعي لها. ومن هنا فإننا لسنا في حاجة للجوء للحمض النووي ولا غيره في هذه المسألة، كما أنه لا نسمح للجوء للحمض النووي لإنسان ليتأكد أن هؤلاء أبناؤه أو غير أبنائه لأن هذا الأمر إن حصل من شأنه أن ينقض القواعد الشرعية، فقط في حالة مثلا اختلاف المواليد في المستشفى وتشابهوا واختلطوا ولم نستطع ان نعرف أن نحدد أبناء من هم ومن هم آباؤهم بسبب إهمال طاقم المستشفى في تحديد الأبناء بأساور ونحوها فحينئذ يمكننا أن نلجأ إلى الحمض النووي في تحديد نسب أولئك المواليد، وكذلك للتعرف على الأشخاص (الأطفال) الضائعين، وفي قضايا الحروق والجرائم فهذا أمر جائز، اما في اثبات النسب فإنه لا يكون إلا في حالة التنازع على مجهول النسب. وأنا من هذا المنطلق وفي هذه الحالة أجيز استخدام البصمة الوراثية (الحمض النووي) لاثبات النسب في هذه الحالة، لأنه قائم مقام القيافة، أما أن يأتي إلى شخص معروف النسب ونقول: نريد ان نثبت نسبه فهنا لا نقبله أبدا، لأنه كما ذكرت ينقض القواعد الشرعية الثابتة في المجتمع المستقر، فإن كنت أيها الرجل شاكّا في نسب ابنك أو ابنتك أو من نسب إليك فعليك باللعان وهو حكم شرعي، اما ان تأتي وتعبث بالمسائل الشرعية بمجرد وجود اكتشافات حديثة كالبصمة الوراثية فهذا لايجوز. ثم من قال انك تعرف كل شيء في نسبك وظهور شكل معين لابن من أبنائك، فهو قد يكون شبه جدّ من أجدادك لا تعرفه أو أحد أقربائك، وهذا قد وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه رجل شكّ في أحد أبنائه، فأجابه الرسول بسؤاله عن إبله: لعل نزعه عرق. وبهذا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك القواعد الشرعية. إن السماح باستخدام البصمة الوراثية (الحمض النووي) في كل شيء سوف يؤدي بالمجتمع لمشكلات كثيرة ومصائب عديدة نحن في غنى عنها، وبهذا تصبح البصمة ألعوبة بين أفراد المجتمع من باب التجريب والتأكد ونحو ذلك. للحاجة فقط * إذن استخدام الحمض في نطاق ضيق جدا؟. - نعم في نطاق ضيق للحاجة والقضاء هو الذي يحدد الحاجة المشروعة في تنازع النسب بين اثنين في إثبات نسب طفل ما، أو في طفل تاه بين أطفال لم يعرف نسبه، أو في وفاة أشخاص لم نستطع التعرف عليهم وهكذا. مخالفة شرعية * يجعل بعض الأزواج زوجته الثانية بمثابة خادمة للأولى، ويخاطبها بأن غرضه من الزواج بها خدمة لزوجته الأولى الكبيرة في السن.. فما هو رأيكم؟ - الشرع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حاكم (القرآن حجة لك أو عليك)، فهنا الزواج قد شرع لمقاصد شرعية معروفة من المودة والرحمة، ولا مانع أن تعين تلك المرأة الزوجة الأولى وأهل الأسرة.. لكن الزواج ابتداء لم يشرع إلا لمقاصد شرعية، فالمرأة المتزوجة لها حقوق وعليها واجبات، وكذلك الزوج له حقوق وعليه واجبات، فإذا خرج أو خرجت عن نطاق الحقوق والواجبات في الشريعة وأراد أن يستخدم الرجل هذه الزوجة للعمل أو لأمر ما وهي لا تريده فإن الأمر حينئذ يعود لها لا يستطيع الزوج إجبارها على فعله بل هي حرة في التطوع لفعل ذلك أم رفضه، أما إلزامها بالخدمة للزوجة الأولى فهذا اعتقد أنه مخالف لمقاصد الزواج الشرعية الأساسية ولا يتفق معه أبدا. التدبر يقود للتطبيق * ما نصيحتكم لتسابق الشباب على حفظ القرآن الكريم لأجل الحفظ والدخول في المسابقات القرآنية التي تنتشر هنا وهناك لا التطبيق؟ - المقصود بالمسابقات تشجيع الناشئة على الحفظ وتدريب ألسنتهم وذواكرهم على حفظ القرآن الكريم، ثم يعقبه التدبر والفهم، وكما قال بعض أهل العلم: (طلبت العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله)، وفي النهاية لابد أن يستفيد لأن في هذا القرآن النور، فإذا دخل القلب انشرح الصدر بإذن الله فيستفيد منه في يوم من الأيام، بتدبر في لحظة صفاء فينفتح قلبه لآيات قرآنية، فيستفيد الحافظ، والأعمال بالنيات.والتدبر مهم جدا فهو الذي يولد التطبيق في المستقبل، والنصيحة لهم وللقائمين على المسابقات القرآنية بأن يكون في المسابقات وفي دوراتها أسس ودورات أو محاضرات تربوية تبين للناس المنهج وتصحيح النية وشرح حديث (إنما الأعمال بالنيات)، ومن هنا نطالب بالجانب التربوي في هذه المسألة. الهدف التربوي * يعاني الآباء من عدم استيقاظ أبنائهم البالغين منهم لأداء الصلوات خصوصا صلاة الفجر منها، فهل أنتم مع من ينادي بعدم التشديد في إيقاظهم والاكتفاء بالتنبيه لهم بدخول وقت الصلاة أم ماذا ؟ - القضية تحتاج وفي هذه المسألة إلى المنهج التربوي الذي يوصل إلى الهدف، فقضية الضرب لها غاية، فإذا لم تتحقق الغاية منها لا يجوز اللجوء إليها، وتصبح من باب العبث، ولذلك فإن المقصود أن تصل إلى هدف وغاية معينة وهي أن تعوّد هذا الشاب على الصلاة، وحينها لا بد أن تلجأ إلى أكثر من أسلوب، لكن مع مراعاة أحوال الشباب الصغار يجب التنويع في الأساليب مع استيقاظ الأب دوما، مع المراقبة من بعيد وتصديق الصغير في أدائه الصلاة مرة مرتين وثلاثا.. وإذا وجد أن الشاب كثير التفلت وعدم تأدية الصلاة، فهنا يجب أن يقوم الأب بواجبه ومسؤوليته تجاه أبنائه للاشتراك معهم في الصلاة، أما اتباع الضرب مباشرة، أو الدلال مباشرة وترك الحبل على الغارب، فهذا لا يصح، ومن هنا يجب اتباع المنهج النبوي التربوي، فجواز الرسول صلى الله عليه وسلم للضرب كان لغاية ليشعر الطفل بأن أباه غاضب عليه، فإذا كان هذا الطفل لايستوعب فكر غضب والده، فإننا نلجأ إلى أسلوب تربوي آخر. وكثيرا ما نستخدم مع حالات الأطفال والفتيان خصوصا في مرحلة الشباب قضية الثقة والمودة فنجدهم يستجيبون ويلتزمون، وفي هذا العصر المنفتح ليس من السهل أن تأخذ طريقا واحدا في تربية وتعليم طفلك، وعليك أن تمسك بخطام المسألة، ولهذا نجد كثيرا من الآباء لديهم مشكلات تربوية تجاه أبنائهم. صلاة الجماعة * وماذا عن صلاة أولئك الشباب في المنزل وتركهم لصلاة الجماعة في المسجد؟ -على حسب قرب المسجد من المنزل وبعده، مع صلاة السنة في المنزل، أما أن يجعلوا الصلاة كلها في المنزل فلا يجوز ذلك. ومن المعلوم أن الأطفال يحبون الذهاب مع أبيهم إلى المسجد، ويرتكب الآباء خطأ تربويا في عدم معاملتهم أبنائهم بأنهم كبار ورجال وعدم زرع الثقة والشخصية المحترمة في أنفسهم ، فيجعلون بينهم وبين أبنائهم فوارق بعيدة، مما أدى إلى وجود فجوة كبيرة في التعامل، ولهذا فإن جعل الأب مع أبنائه المودة والتعامل الأخوي والمحبة والاحترام فستؤدي بلا شك إلى نتائج إيجابية كبيرة فيما بينهم.انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كان بالكلمة يملك الناس، ولهذا يستطيع الإنسان بالكلمة ان يملك قلب أبنائه بأخلاقه وسلوكه وتعامله. مذاهب متعددة * معنى ذلك أنك تذهب إلى عدم جواز صلاة الأبناء في المنزل. - لا أقول عدم الجواز، نحن في مذاهب فقهية متعددة، ولهذا إذا قلنا بعدم الجواز فقد أخطأنا، وإذا قلنا بالجواز كذلك أخطأنا، لأن المسألة والظروف أحيانا تحكم، فليس كل الحالات يستطيع الإنسان أن يصل فيها إلى المسجد، ولكن لو صلى كل الناس في منازلهم لأصبحت هناك مشكلة وفرغت المساجد من المصلين، نحن نقول بالصلاة في المساجد، والأصل حيث ينادى بالصلاة، والحمد لله المساجد كثيرة ومجهزة وميسرة، ومع ذلك نحن نشكو من قلة الذاهبين إلى المساجد، ولذلك نحن لا نريد أن نفتح الباب لأي ظرف بشكل عام لترك المساجد، لكن حلّ مقام حلّ، إنما تكون الصلاة هي شغلنا الشاغل والأساسي، حتى يشعر الجميع أن الصلاة عملنا اليومي الدائم، وهذه ناحية تربوية ضرورية. * فماذا تقول لمن يرى بأن الصلاة في المنزل جائزة ولا فرق بينها وبين صلاة الفرد في المسجد إلا بفارق الدرجة لا غير؟ - أقول: المسائل لا تكون هكذا، وعلى الرغم، ومع أنني متخصص في مجال الفقه إلا أنني أحب أن أتحدث في الآثار التربوية أكثر من الفقه والأحكام خصوصا وأن الواقع اليوم يتطلب منا العمل وفق المنهج التربوي السديد، وفي نظري أن هذه المسألة ليست صائبة.