1978م عندما ولدت ظهرت على شاشات التلفاز شخصية كرتونية عظيمة لكني لم أتعرف عليها إلا في العاشرة من عمري، ولم أتصور حينها أن هذه الشخصية ستلازمني طوال حياتي! (جون سيلفر) الطباخ الذي يقشر البطاطا، ويطهو الطعام، ويغني للصندوق ويطرق الأرض بساقه الخشبية، انقلب فجأة إلى قرصان عنيد ثائر يبحث عن الكنز.. (سيلفر) ترك في داخلي صوتًا جهورًا وضحكة مجلجلة وبقايا من حكمة الكبار. 2001م كنت على يقين أن الحياة شاقة عصية دون رفيق استند عليه وقد كان (صالح) نعم الرفيق ونعم المتكأ. لكنه لم يتصالح مع الحياة فلم يرض بالقعود فتركني وذهب إلى جبال افغانستان ومات هناك. وبموته شعرت أني فقدت ساقي اليمنى، فلم أعد أسلك طرق الأولياء.. ولم تعد خطواتي تشق الظلمة طلبًا للنور. تركت المشي فتكدس الشحم تحت جلدي.. لقد جعلت البدانة كفنًا للوحدة والسبات كهفي الذي لا أمل منه. وكنت أبحث عن عزاء في مشاهدة (جون سيلفر) الرجل الذي فقد ساقه واستبدلها بساق من خشب. 2011م ثم جاء (نشوان)، جاء ليخرجني من كهفي وسباتي وطلب مني أن أركض أن أفرح، أن أغني أن أرقص.. (نشوان) يحب اللذة والبهجة يحب النساء والسفر والصحف، وتؤلمه الخطايا فيكفرها... يعج بيته بالصحف.. ينام ويصحو عليها.. يفرشها للطعام والشراب يتكئ عليها عندما يدخن، ويصنع بها طائرات ورقية للأطفال! فقد صحفه ذات صباح، فثمل في المساء، فأخذ يسب الجميع لانهم سرقوا صحفه، أخذ يقرع ابوابهم ويمطرهم بوابل من الشتائم البذيئة لكنهم لم يفتحوا له. (نشوان) لم يقصد بابي ليقرعه، ولم يرسل لي شتيمة ليخبرني، إنه بحاجة إلى لعن المدينة واتجه إلى قريته ينشد المطر لكن الطريق لفظه في واد سحيق.. وبموت (نشوان) فقدت ساقي الأخرى.