قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أننا نتحدث عن أندية رياضية، ولكن واقع الحال يقول: إننا تخطينا الأندية الرياضية ليس استنقاصاً بحقها، بل لأن هناك تخطي يفوق أهميتها، ألا وهو تخطي مجلس التعاون الخليجي تعاونه إلى اتحاد، وهو أكثر إلحاحاً ومطلباً جماهيرياً يفوق مطالب جماهير أنديتنا الرياضية إلى ما هو أبعد من ذلك، من أجل خير وأمن ورفاهية شعوب ودول الخليج. هذا التخطي للتعاون من قبل الاتحاد هو ما جاء بكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- في كلمته الضافية الشاملة التي افتتح بها قمة قادة مجلس التعاون الخليجي، التي عقدت في الرياض قبل عدة أيام، والتي رسمت مسار مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد للدول الخليجية بنهج جديد يركز على الأمن والاقتصاد كأهم ركنين من أركان التكامل والوحدة الخليجية، إلى جانب الدبلوماسية الواحدة، والعمل المشترك الموحد، والاهتمام بالمواطن الخليجي وحمايته وحفظ حقوقه وتيسير سبل العيش الكريم من وظائف وسكن وغيرها. وبصدور البيان الختامي، أو ما سُمِّي بإعلان الرياض، تبنّي قادة مجلس التعاون الخليجي مبادرة خادم الحرمين الشريفين التي طالب فيها بافتتاحية القمة تخطي مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد لكي تشكل دول المجلس كياناً واحداً يحقق الخير ويدفع الشر استجابة لتطلعات مواطني دول المجلس ومواجهة التحديات التي تواجهها كما جاء في البيان. وبهذا التبنِّي للاتحاد يكون المجلس بذلك قد انتقل من مجلس تعاون محدود إلى «كونفدرالية» خليجية تضم دول المجلس الست. وبذلك الاتحاد الكونفدرالي، الذي يشبه إلى حد كبير كونفدرالية الاتحاد الأوروبي وكأن النموذج الخليجي يستلهم النموذج الأوروبي، ستشكل دول المجلس إحدى التكتلات الاقتصادية القوية في العالم كون دوله تمتلك (45%) من احتياطات النفط في العالم. إلى جانب ذلك فانه بذلك الاتحاد تشكل دول المجلس تكتلا سياسيا قويا كون أنظمة الحكم في دوله الست متشابهة إلى حد كبير، وتحتل دوله مواقع إستراتيجية على الخليج العربي والبحر الأحمر، إلى جانب تجاور دوله وتداخلها في الحدود مع بعضها البعض، وتشابه أنظمتها وقوانينها وعادات وتقاليد شعوب دول المجلس إلى غيرها من الأمور التي تسرع في عملية الاندماج بشكل كامل. هذا الاتحاد في إعلان قمة الرياض، والذي جاء تتويجاً لإنجازات المجلس على مدى ثلاثين عاما، وهي عمر المجلس الذي تأسس في قمة أبوظبي بتاريخ 25 مايو (1981م)، يحقق طموحات وتطلعات شعوب دول المجلس خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة. مقومات نجاح هذا الاتحاد موجودة، حيث التنقل بالبطاقة (الهوية الوطنية) بين دول المجلس، وهذا مطبق من قبل عدة سنوات، واتحاد جمركي سبق وأن اعتُمِد عام (2003م)، وسوق خليجية مشتركة تم اعتمادها عام (2008م)، وإستراتيجية دفاعية لدول المجلس اعتُمِدت عام (2009م)، وقبل ذلك درع الجزيرة عام (2008م)، والذي يضم عشرة آلاف فرد، وقاعدته في المملكة العربية السعودية، وهي قوات تدخل سريع تم اختبارها بنجاح عندما تعرضت مملكة البحرين، وهي إحدى دول المجلس، لمحاولة التدخل في شؤونها من قبل إيران بتحريضها على الفتنة الطائفية، وقامت بتأمين وحماية المصالح والمنشآت الحيوية في مملكة البحرين دون إطلاق رصاصة واحدة. ثم نجاح المجلس بمبادرته الخليجية والتي أتت بطلب من قبل الحكومة اليمنية والمعارضة وأطراف أخرى من أجل إعادة الأمن والاستقرار لليمن وحقن دماء الأبرياء وتم ذلك.. كما أن اقتصاديات دول الخليج متشابهة وأقوى كونها، كما أسلفت، تملك قرابة نصف احتياطات النفط في العالم. إذن مقومات الاتحاد بين الدول الخليجية موجودة على أرض الواقع ونحن بدورنا كشعوب خليجية نؤيد هذه الخطوة وبخاصة في هذا التوقيت الذي تعيش فيه بعض الدول العربية حالة من عدم الاستقرار، ومنها ما يعيش ظلم وتعسف من نظامه الحاكم الذي يريد أن يحكم شعبه بالقوة.. ليس ذلك فحسب بل إنه أصبح أداة تستخدمها دولاً أجنبية من أجل زعزعة أمن واستقرار الشعوب العربية وبخاصة إيران التي أصبح لها حضور طاغي في العراق وخاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية قبل عدة أيام، وفي سوريا وداعمها نظام حزب البعث الحاكم، وفي لبنان حزب الله. نخلص إلى القول أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- مع بقية إخوانه قادة دول مجلس التعاون الخليجي أحدثوا نقلة نوعية وكمية في مسيرة المجلس حتى جعلوا منه تكتل اقتصادي وسياسي قوي، وإذا استمر بمعدلات نموه وتطوره –وهو ما سيحدث بإذن الله- فإن الاتحاد الخليجي المرتقب سوف يكون له شأن وثقل على المستويات المحلية والعربية والإقليمية والإسلامية والدولية، وسوف يحسب لتكتله ألف حساب. فدول المجلس مستهدفة كما أوضح ذلك الملك عبدالله في كلمته الافتتاحية، وبالتالي على دول المجلس الاعتماد على بعضها البعض من أجل حماية أمن واستقرار الخليج.